منحَهُ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسامَ الملك عبدالعزيز من الدّرجةِ الأولى، ثم نال التكريم ـ قبل عامين ـ بجائزة المفتاحة الوطنيّة، التي باتت طموح المبدعين في غير مجال.
هذان التكريمان، كافيان للدلالة على حجم المنجز، ومقدار التفوق، ودرجة الإتقان، التي وصلَ إليها الدكتور زهير يوسف الهلّيس.
لَه أنْ يباهيَ بذلك، ولنا أن نباهي بهِ عالماً متميّزاً وجرّاحاً نادراً؛ نباهي به لأنه أحد المنتمين إلينا انتماء حقيقيّاً تتآزر في تشكيله الأقوالُ والأفعال، ولأنه أحد المؤمنين إيماناً صادقاً بأننا نحتاج إلى أمثاله، وأن الوطن أولى بأبنائه، وقد صدّق فعلُه إيمانَه، حين رفَضَ من أجلِ وطنِه، وانتمائه، وأهله، حشداً من المغريات، فلم ينسق وراء إغراء الهجرة والجنسيّة وحوالي ثمانية ملايين ريال سنويّا، وفضّلَ البقاء في وطنه، قائلا: "الإغراءات كثيرة، والمشوار بدأ من وطني ويجب أن أردَّ الدين له في خدمته وخدمة أبنائه، والحياة في الغرب عشتها، وفيها من الملاحظات غير المريحة لنا كأبناء فطرة، وحياتنا ـ ولله الحمد ـ أفضل بكثير".
رفضُه للإغراءات، جعله يجمع حسنيين هما:
الوفاء لوطنٍ علّمته جامعتُه الأم الطبّ، وابتعثه مركزه الطبّي الأب؛ فهو أحد خريجي أول دفعة من كلية الطب، بجامعة الملك سعود سنة 1976، وهو أول طبيب سعودي بعثه مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، لإكمال دراسته العالية، في كندا وأميركا، في مجال الجراحة العامة، وجراحة القلب والأوعية الدموية.
والبقاء على مبادئ مهنته بوصفها رسالة، فلم يستنكف عن أن يكون إنساناً، يقدم خبراته الطبية إلى الإنسان في كلّ مكان؛ إلى الجيران الأقارب في الدول التي تحيط بنا، وإلى الأصدقاء الأباعد، في أميركا وكندا والبرازيل، ليكون سفيراً للقادرين الدالين على قدرات أبناء هذا المكان، بيد أنّه يبقى هنا، وينطلق من هنا، إلى هنا، على الرغم من أنه المسافر الدائم إلى القلوب العليلة في كلّ مكان، ليبدع عمليّاتِ القلبِ المفتوح في أكثر من أربع عشرة دولة، لكنّه من الوطنِ وإليه، ليقولَ للعالم: لن أتخلّى عما يعرض للقلوبِ المؤمنة في وطني مهما كانت المغريات، ولن أستطيع العيش في غير البيئة التي وهبتْني الثبات على رفض غيرها.
الدكتور زهير الهليس، يبتعد عن الضّوء الحارق، ولا يدلّ العالمين على فعلِه، وأنما يدع الفعلَ يدلّ عليه، حتّى إن بعضنا لا يكاد يراه إلا حين يبحثُ عن قطرات الضوء المختلفة التي تنهمر من سماوات الإبداع على أديم الوطن.
يعملَ الهلّيس في صمتٍ معجب، مبتعداً عن مواطن الصّخب، و"فلاشات" التلميع، إلا حين يرى في ذلك بعضاً من الواجب، ومكمّلاً للرسالة.
زهير الهلّيس، استشاري جراحة القلب، المتخصص في جراحات قلوب الأطفال المعقّدة، يعملُ في الظلّ، ويبدع داخل حجرات العمليات المغلقة، لكن الأفعال المتجاوزة تدلّ على أصحابها مهما صمتوا عنها.
أنجزَ أكثرَ من خمسةَ عشرَ ألف عمليّة قلبِ مفتوح جلّها داخل المملكة، ليقول للوطن: أحاولُ أنْ أردَّ الدينَ، ولن أستطيع.