تسعة آلاف شخص فقط من بين نصف مليون سوداني جنوبي يعيشون في الشمال سجلوا أسماءهم للمشاركة في الاستفتاء على مصير جنوب السودان المقرر بعد نحو 45 يوما من الآن. وفي المقابل سجل نحو 1,3 مليون شخص أسماءهم في الأسبوع الأول بمركز جنوب السودان وهو ما يقرب المنطقة من الوصول إلى الرقم المستهدف وهو خمسة ملايين مشارك قبل نهاية عملية التسجيل في ديسمبر المقبل.
ويبدي الكثير من الجنوبيين الذين ولدوا ونشأوا بالشمال مخاوف كبيرة من الانفصال. وقالوا إنهم لا يستطيعون العيش في الجنوب "لانعدام الأمن والخدمات الأساسية"، إضافة إلى أنهم "لا يواجهون أي صعوبات في التعايش مع الشماليين". ولكن في الجانب الآخر يرى جنوبيون آخرون نزحوا للشمال بسبب سنوات الحرب الطويلة، أن مستقبلهم يكون في إقامة دولتهم بالجنوب.
ودفعت أرقام التسجيل المتعارضة قيادات في شريكي الحكم حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتبادل الاتهامات، وارتفاع حدة الخطاب بين الطرفين. وفيما قال القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم مندور المهدي إن "الحركة الشعبية تشجع الجنوبيين الذين يعيشون في الشمال على عدم التسجيل لأنهم يعتقدون أن غالبية السودانيين الذين يعيشون في الشمال يؤيدون الوحدة"، نفى المسؤول الكبير في الحركة الشعبية آتم قرنق هذه الاتهامات قائلا "لم نقل للجنوبيين قاطعوا التسجيل".
وكان المؤتمر الوطني قد هدد بعدم الاعتراف بنتيجة الاستفتاء "في ظل المخالفات المرافقة لعمليات التسجيل". كما أطلقت نفس التهديدات فصائل سياسية أخرى بعضها مشاركة في حكومة الجنوب الحالية. ووعدت مفوضية الاستفتاء بالنظر في جميع الشكاوى المرفوعة لها والبت فيها.
ولتحري الأمر زارت "الوطن" عددا من مراكز التسجيل. وكان لافتا قلة التواجد في جميع المراكز ما يعكس ضعف الإقبال على التسجيل. وفى المركز المقام بمدرسة خالد بن الوليد بمنطقة الخرطوم بحري قال المواطن سايمون دينق الور (20 عاما) وهو من أبناء قبيلة الزاندي بالجنوب ومن مواليد الخرطوم، إنه قام بزيارة الجنوب مرتين فقط طيلة حياته. وأوضح انه "مستاء جدا من ممارسات أفراد الحركة الشعبية الذين يتواجدون بكثرة في المركز وقد قاموا بتهديده بالضرب إذا أقدم على تسجيل اسمه في الكشوفات لأنه من دعاة الوحدة ولا يريد الانفصال".
ومن جهته أوضح سانتينو من أبناء النوير، يعمل في بيع الملابس الجاهزة والأحذية ويعيش في الخرطوم منذ 15 عاما، أنه "تعرض للضرب على يد أفراد من الحركة الشعبية بالقرب من أبواب مركز التسجيل عندما أصر على تسجيل اسمه". وقال "إن أبناء الدينكا المسيطرون على الحركة الشعبية يريدون أن يكون التصويت حكرا لهم حتى يتم الانفصال وهو ما لا يريده كل أبناء القبائل الأخرى إذ إنهم مرتبطون بالشمال منذ أمد بعيد".
ومن جهتهم قال مسؤولون كبار في الحركة الشعبية بعد زيارتهم لعدد من مراكز التسجيل في ضواحي الخرطوم، إنهم شاهدوا بالقرب من مراكز الاقتراع أعضاء في "لجان المواطنين" وهي "ذراع" حزب المؤتمر الوطني، وهم يسجلون أرقام هواتف الجنوبيين بعد أن يسجل هؤلاء أسماءهم في القوائم الانتخابية. وقال آتم قرنق إن أعضاء لجان المواطنين هؤلاء كانوا يقولون لهم "يجب أن تصوتوا للوحدة عندما يحين وقت التصويت" وأضاف "أنه نوع من الترهيب وهذا مخالف للقانون".
وفى مركز التسجيل بحي مايو بجنوب الخرطوم أفاد أحد موظفي المركز أن الحركة الشعبية "تسيطر على المركز تماما من أعلى سلطة وحتى حارس الباب وأن التسجيل فيه مخالفات واضحة ولكنه لا يستطيع عمل أي شيء خوفا على نفسه".
وفي الإطار نفسه قالت اتوج ملوال (18 عاما) وتدرس في المرحلة الثانوية، أنها ولدت في الخرطوم "ولا تستطيع العيش في الجنوب لانعدام الأمن وانعدام الخدمات الأساسية كما أنها لا تواجه أي صعوبات في التعايش مع الشماليين الذين قالت إنهم إخوتها". وذكرت أنها تعرضت للتهديد المباشر من أفراد الحركة الشعبية لمنعها من تسجيل اسمها ورغم ذلك تحايلت عليهم وتمكنت من التسجيل وهي سعيدة بذلك ولا تخشى التهديدات.
وفى أحد المراكز بضاحية أمبدة في أطراف أم درمان اشتكى السلطان مانوت ياي من قبيلة النوير من استبعاده وبقية السلاطين من المشاركة "رغم أنه من أكثر الناس معرفة بأبناء القبائل بحكم عمله في حل المشاكل التي تنشب بين أفراد القبيلة". واتهم مفوضية الاستفتاء بالتحيز لفئة دون أخرى.
وفي سياق متصل أفاد مسؤولون ان مواطنين من جنوب السودان يعيشون في أوغندا تلقوا تهديدات بالقتل وتحذيرات حتى لا يسجلون أسماءهم في الاستفتاء على استقلال الجنوب في تطور قد يقوض عملية التصويت. وذكروا ان موظفين يعملون في المنظمة الدولية للهجرة التي تشرف على التسجيل تلقوا أيضا اتصالات هاتفية ورسائل تهديد مما يعطل الاستعداد للاستفتاء الذي يجري في يناير كانون الثاني.