ما إن تدلف بجسدك وقلبك إلى المسجد النبوي الشريف، حتى تشعر بعظمة المكان وروحانيته، وتمتزج في روحك نكهة خاصة تحمل عبق التاريخ الإسلامي. فأينما اتجهت فثمة أثر يتحدث عن مرحلة زمانية أو مكانية من مراحل مولد الدين الإسلامي. رائحة العطور الشرقية الأخاذة تختلط مع رائحة خشب الساج والجوز لأبواب المسجد النبوي الشريف التي ارتبط معظمها بأسماء وأحداث عرفت بها حتى يومنا الحاضر.

تلك الأبواب المهيبة هي أول ما يلفت أنظار زوار المسجد النبوي الشريف، فالذين يأتون من أقاصي الأرض لأداء مناسك الحج، لا يفوتون زيارة مسجد وقبر النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، وعند اللحظة الأولى للقاء المسجد الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) وقال (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)، يشعر الزائر بمشاعر مختلطة من الفرح والروحانية.

أبواب للتاريخ

الدكتور عاصم حمدان، أستاذ الأدب والنقد في جامعة الملك عبدالعزيز والباحث في تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة، أكد أنه على مر التاريخ الإسلامي شهدت أبواب الحرم النبوي تعديلات وتجديدات تشير إلى اهتمام بالغ بواجهات الحرم النبوي وأبوابه التاريخية، وكلما تمت توسعة للحرم واكب ذلك تجديد وتعديل أو حتى زيادة في أبواب الحرم النبوي.

ويقول حمدان: هناك أبواب قديمة للحرم النبوي الشريف أولها باب السلام وكان يسمى باب مروان نسبة إلى مروان بن الحكم والي المدينة لأن داره كانت تطل على هذا الباب، ثم باب الرحمة وكان يسمى نسبة إلى عاتكة بنت عبدالله بن يزيد بن معاوية التي كانت دارها تطل عليه، وتوجد على الباب الآية "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله".

ويضيف الدكتور عاصم: يلي هذا الباب باب جبريل وسمي بذلك نسبة للملك الكريم الذي كان ينزل بالوحي على الرسول عليه الصلاة والسلام قريبا من ذلك الباب، وهو الباب الذي يطل على الصفّة التي يجلس فيها صحابة رسول الله عليه السلام، وأخيرا كان يجلس فيها أغوات الحرم إلى وقت قريب، وكان يطلق عليه باب الجنائز لأن الجنائز كانت تدخل من باب السلام ويصلى عليها ثم تخرج من باب جبريل.

ويوازي باب جبريل باب النساء، وكان يطلق عليه باب ريطة بنت العباس السفاح، وذلك لأن باب بيتها يطل على هذا الباب، ثم باب عبدالمجيد والذي استحدث في عهد السلطان العثماني عبد المجيد وقد تم تخليد اسمه على الباب لأن آخر عمارة قبل التوسعة السعودية الكبرى كانت له، وكانت فوق الباب مكتبة، ثم في التوسعة السعودية الأولى، فتح باب أبو بكر الصديق ومداخله أيضا، والتي كانت تعرف أيام الرسول بخوخة أبو بكر (بمعنى مدخل صغير جدا)، وهي تسمية أطلقت عليه بعد قول الرسول الكريم: (لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبو بكر)، ولهذا في العمارة السعودية أبقي على الباب عملا بأمر الرسول الكريم، كما زيد في عهد التوسعة السعودية، أيضا أبواب منها باب الملك سعود، وباب الملك عبدالعزيز، وفي الجهة الشمالية أضيف باب عثمان وباب عمر بن الخطاب ثم في التوسعة السعودية الجديدة فتحت أبواب عديدة.

المنطقة القديمة

وكانت هناك حركة تجارية وثقافية، شكلت طورا مهما في مسيرة المجتمع المديني، هذا ما أكده أحد أبناء المدينة المنورة وباحث في تاريخها، وهو محمد الدبيسي، الذي يقول: من يتجاوز هذه الأبواب إلى داخل الحرم ينكشف أمامه التاريخ بمنابعه الأولى، وقد تمت المحافظة على مسميات الأبواب القديمة ومواقعها، ومن هذه الأبواب باب قباء الذي يفتح على الجهة الشمالية ويطل على منطقة قباء القديمة، وبالتالي إلى مسجد قباء الذي بُني أيام الرسول الكريم.

ويمضي الدبيسي قائلا: أما باب السلام فسمي بالسلام لأن زوار الحرم النبوي يدخلون منه ليسلموا على الرسول الكريم، وهو أقرب نقطة من الخارج إلى الداخل تصل إلى حجرة الرسول الكريم المعروفة بحجرة عائشة وقبره وقبر صاحبيه، أما باب البقيع فيقع شرقي المسجد النبوي وهو الباب الذي يشرف على مقابر البقيع التي دفن فيها أكثر الصحابة الكرام، وزوجات الرسول الكريم وبناته.

وحول عمارة أبواب المسجد النبوي، يؤكد الدبيسي أن أغلب الأبواب تعلوها منارات، وقد صممت وفقا لتخطيط هندسي دقيق ورؤية معمارية وجمالية روعي فيها روح العمارة الإسلامية وزخرفتها ذات الشكل الراقي في تفاصيلها وألوانها وزواياها ودقة تكويناتها ودلالاتها الجمالية، والتناسب بين التكوينات والزوايا والألوان المعدنية ونوعية الخط الذي رسم به اسم النبي عليه الصلاة والسلام في قلب كل باب، أما بالنسبة لحجم الباب فهو كبير جدا، فيما يزن الباب الواحد نحو 5 أطنان، كما صنعت أبواب التوسعة السعودية الثانية بشكل خاص، حيث صنع حلق الباب من خشب الساج، فيما صنعت الأبواب في برشلونة بإسبانيا، ولم تستخدم المسامير فيها بل تم تثبيت القطع الخشبية عن طريق التعشيق.

أما النحاسيات الموجودة بالأبواب فهي معادن مطلية بالذهب وعملت في فرنسا، والأعمال لتطوير وتوسعة المسجد النبوي وأبوابه في العهود السابقة لم تكن بهذه الصورة وحتى في العهد الأموي.

86 بابا

أما وكيل المتابعة برئاسة الحرم النبوي، محمد السكري، فيشير إلى أن إجمالي عدد أبواب المسجد النبوي يقدر بـ(86) بابا، وتتضمن الأبواب الرئيسة عادة عددا من المداخل وتعتبر أيضا أبواباً، ويقع بابا السلام والرحمة في الجهة الغربية من الحرم، أما باب جبريل والنساء فيقعان في الجهة الشرقية، وتضمن مشروع توسعة المسجد النبوي زيادة ستة عشر مدخلاً جديداً للحرم الشريف بحيث يصبح إجمالي مجموع المداخل ثلاثة وعشرين مدخلاً، أما أبواب المسجد فكانت ستة عشر باباً، أضيف عليها في التوسعة السعودية خمسة وستون باباً فيصبح مجموع الأبواب واحداً وثمانين باباً، كما توجد عشر بوابات جانبية واثنتا عشرة بوابة أخرى لمداخل ومخارج السلالم الكهربائية المتحركة التي تخدم سطح التوسعة، وإلى جانب ذلك هناك 18 سلماً داخلياً، وفي وسط الناحية الشمالية يوجد مدخل الملك «فهد بن عبدالعزيز». وهو المدخل الرئيسي للتوسعة السعودية ويعلو هذا المدخل ويميزه بشكل خاص سبع قباب ومئذنتان تحدانه من كل جانب.

أبواب أكثر

مدير إدارة خدمات الأبواب في الحرم النبوي راشد بن رويشد المغذوي، أكد لـ"الوطن" أنه من المتوقع أن تفتح أبواب جديدة للحرم النبوي هذا العام، لمزيد من تسهيل حركة المصلين دخولا وخروجا من المسجد، وأوضح أن إدارة خدمات الأبواب تتولى الإشراف على جميع أبواب المسجد النبوي البالغ ِعددها ستة وثمانون باباً منها اثنا عشر باباً للسلالم الكهربائية وهي أبواب مؤدية لسطح المسجد النبوي، وقد وضعت لأبواب المسجد النبوي أسماء وأرقام تساعد الزائرين على معرفة الأبواب التي دخلوا منها لتسهيل حركة خروجهم باتجاه مساكنهم.

وتقوم إدارة الأبواب على تأمين الحراسة على هذه الأبواب حيث يقوم الحراس بتنفيذ التعليمات الخاصة بالأبواب التي تساعد على بقاء المسجد النبوي نظيفاً تؤدى فيه العبادة براحة واطمئنان ويتم الاستعانة بعدد كبير من الحراس المؤقتين تم تدريبهم في دورات داخل الإدارة وكذلك دورات في الجامعة الإسلامية بالتعاون مع لجنة الحج بالمدينة المنورة الهدف منها تنمية مهاراتهم في التعامل الأمثل مع ضيوف الرحمن وزوار المسجد النبوي والقيام بالمهمة على الوجه المطلوب.

وتابع المغذوي أن من مهام إدارة الأبواب أيضاً الإشراف على تنظيم الدخول إلى سطح الحرم من أبواب السلالم الكهربائية وعبر الدرج العادي وهناك أربعة أبواب جديدة مؤدية إلى السطح استحدثتها الوكالة لتسهيل عملية النزول من السطح في الجهة الجنوبية من المسجد النبوي، ولدى إدارة خدمات الأبواب قسم خاص يقدم عربات وكراسي مجاناً لكبار السن والعجزة وذوي الاحتياجات الخاصة بأعداد كبيرة طوال العام من ثلاثة مواقع مختلفة وفي جميع الأوقات ويزيد الطلب على تلك العربات من الزائرين في موسم الحج عن المواسم الأخرى.

وتعد إدارة أبواب الحرم النبوي همزة وصل بين المريض والهلال الأحمر وهناك تعاون كبير جداً بين هذين الجهازين لخدمة زوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث تنسق إدارة أبواب الحرم النبوي مع هيئة الهلال الأحمر السعودي لإسعاف من يتعرض إلى وعكة صحية من زوار المسجد الذين تصل البلاغات عنهم عن طريق المسؤولين بالحرم والجهات الأخرى وتتابع نقل المريض من الحرم إلى المستشفى.


أبواب الحرم النبوي

• باب السلام

• باب الصديق

• باب البقيع

• باب الرحمة

• باب جبريل

• باب النساء

• باب الجنائز

• باب الهجرة

• باب قباء

• باب الملك سعود

• باب العقيق

• باب السلطان عبد المجيد

• باب عمر بن الخطاب

• باب بدر

• باب الملك فهد

• باب أحد

• باب عثمان بن عفان

• باب المدينة المنورة

• باب علي بن أبي طالب

• باب أبي ذر

• باب الملك عبد العزيز

• باب مكة

• باب بلال