• كنت قد كتبت قبل أكثر من شهر عن شعب سورية، وما يتعرض له وهو ما بين فكي الموت، وما بين مرارة الصمت، صمت الأشقاء ومزايدات الأمم الكبرى. شهر واثنان وثلاثة وأربعة، والهراوات والمطارق تمثل بالجثث، وشراهة الرصاص تجوب الشوارع، تلتهم الصغار وتنخل البيوت والمستشفيات والجوامع، لا تستثني أحداً، والأرقام تتحدث عما يزيد عن ألفي شهيد، وأكثر من اثني عشر ألف مهجّر من أرضه، أما الجرحى والمعتقلون فحدث ولا حرج؛ آلاف وآلاف كثيرة!

• توالت التنديدات العالمية، وتغيرت المواقف، تركيا نفد صبرها، ومجلس التعاون طالب بوقف القتل، وقبل الأمس جاءت الكلمة التي لن يكون ما بعدها أبداً كما قبلها. إنها السعودية بثقليها العربي والإسلامي، وجهت كلمتها إلى سورية بوضوح تام، ولهجةٍ حازمة تليق بما ينتظره منها العرب والعالم الإسلامي والأمم كافة، وبالذات شعب سورية الذي تطحن أضلاعه جنازير الدبابات، وتخنقه عمائم إيران وأذرعها!

• أقول إن هذا الخطاب الذي وجهه الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى سورية، هو بالذات ما سيكون منعطفاً ولحظةً حاسمة، لأنه سيمهد الطريق أمام الحكومات العربية واحدةً تلو الأخرى، كي تسقط مشروعية هذا النظام الذي أمهله العالم أجمع وقتاً أطول مما يجب، ليصلح فساده ويعتذر عن جرائمه، ويرفع السلاح من وجه شعبه الأعزل، لكن مكابرته ورعونته دفعته مرةً بعد أخرى إلى المضي في القتل أكثر، معلناً الحرب بكل صراحتها، ليس لاستعادة الجولان، وهي في قبضة إسرائيل منذ أربعين عاماً، بل على شعبٍ كانت أول صيحة صاح بها قبل مئة وأربعين يوماً أن "الشعب السوري ما بينذل/ الشعب السوري ما بينهان"، لكن هذا النظام مثل من سبقه؛ لم يفهم ولا يريد أن يفهم!

http://www.youtube.com/watch?v=0HYjvNSSJPs

• وهذه بعض العبارات التي جاءت في خطاب الملك عبدالله، حفظه الله: "إن ما يحدث في سورية لا تقبل به المملكة العربية السعودية، فالحدث أكبر من أن تبرره الأسباب".. إلى قوله: "واليوم تقف المملكة العربية السعودية تجاه مسؤوليتها التاريخية نحو أشقائها مطالبةً بإيقاف آلة القتل وإراقة الدماء".. إلى قوله: "وفي هذا الصدد تعلن المملكة العربية السعودية استدعاء سفيرها للتشاور حول الأحداث الجارية هناك".. هكذا لن تكون الأمور على ما كانت عليه من قبل!

• أوراق المقامرة السياسية التي يلّوح بها النظام السوري في وجه كل موقف (المؤامرة الخارجية، الإمارات السلفية، المندسون والعناصر المسلحة، الحرب الأهلية، العبث في لبنان والعراق، إشعال فتن الطائفية... إلخ) كلها ما عادت لتجدي الآن!