كتب الأستاذ القدير والزميل في الصحيفة قينان الغامدي مقالاً يوم أمس بعنوان "الشتامون من ضحايا الممانعة المزيفة: مرضى علاجهم واجب وممكن"، وتحدث فيه عن أولئك الذين لا يقوون على النقاش ويبدؤون بكيل الشتائم والتهم للطرف المخالف لهم رأياً وفكراً. يقول أبو عبدالله "مشكلتي – وأتصور أنها مشكلتك أيضاً – هي مع من يشتمني ويكيل لي التهم والأباطيل لأنه عاجز عن الاختلاف معي، أي ليس لديه حجة يدلي بها"، ثم يقول في موضع آخر "أحد أصدقائي الذين أختلف معهم في الرأي في بعض الأمور، يستعين أحياناً بشتامين يطبلون لرأيه من خلال شتيمتهم للآخرين الذين يختلفون معه". هذا كلام قينان الغامدي. ومثلما يقول الفنان حسين عسيري "صدق ضرسك" يا أستاذنا العزيز، والسبب أن موضة الشتم والشللية والتركيز على الشخص لا الفكرة أزمة تحولت عند البعض إلى مرض يقتضي العلاج السريع.
"مرتزق، مأجور، عميل، انبطاحي، بائع الدين والوطن، بوق الحكومة...." وغيرها من المصطلحات التي يستخدمها المختلفون معك، يطلقونها عليك بمجرد الاختلاف أو عدم موافقة هواهم، وأحياناً حين لا تكون ضمن شلتهم، شلة حسب الله العظيمة. الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، إلا لدينا، فأنت مطالب باختيار اليمين أو اليسار، أما الوسط فقد ذهبَ بلا رجعة. عمى الألوان دفع كثيراً منهم لاختيار الأميزين، الأبيض أو الأسود، لا أحد يحب الرمادي. المنطقة الرمادية أصبحت مزعجة، رغم أنها ذات لون مغرٍ أحياناً.. لكن التطرف في كل شيء جعلنا نركن أنفسنا إلى ركن قصي، ونلتف بكفن "الشلة".
الكاتب والصحافي والمثقف لا يبني مواقفه في نفس اللحظة، ومع تراكم الخبرات والقراءات قد يتشكل لديه موقف معين من قضية معينة، بخلاف الناشط – في أي مجال – الذي قد يتبنى رأياً معيناً وموقفاً مختلفاً في نفس اللحظة. (فاصل إعلاني: هناك فئات تعتقد أن أي مقال فيه كلمة "ناشط" أنها المقصودة به، لذا أنصحهم بتناول طعام الإفطار بهدوء).
القدير قينان الغامدي وضع النقاط على الحروف، ولعل مقاله مبضع جراح بدون مخدر، آلم الكثيرين، وآخرون تعاطوه كجرعة أولية كنوع من العلاج.
الشتيمة وكيل التهم أسرع الطرق لتعلم الصراخ ولتعلم الفوضى. أسرع الطرق لإعلان الإفلاس، والضرر – مثلما قال أبو عبدالله – يعود على الشاتم وكائل التهم بضاعته وأخلاقه ردتا إليه.