أعرف أن ما سأقوله في مقالي هذا قد يكون معلوماً لديك جيداً، لكن أحب أن أردده لك، أيا كانت طريقة توليك لمنصبك، سواء لخبرتك في مجال عملك ولقدرتك على إدارة المهام المسندة إليك ولأنك تملك أخلاقيات العمل وتمارسه وفق قوانين المنظمة، أو لأن كل ما ذكر غير موجود وأنت فقط ابن خال عمة نائب المدير. أتصور أنك كما تحمل رؤية المؤسسة المستقبلية فإنك تدرك مسؤولية شركتك أمام المجتمع لأن هذا السبب الرئيسي للأرباح التي تجنيها، والتي ستساعدها على الاستمرار، والتي قد تجعلها في يومٍ من الأيام شركة عالمية إذا كانت شركة محلية.

وهذا النمط من التفكير يحتم عليك كمدير أن تكون بطريقة غير مباشرة مسؤولاً عن نجاح ورفاهية هذا المجتمع ليس فقط بأن تقدم له المساعدة في صورة برامج ومشاريع بل توقف كل ما يمكنه أن يساهم في انحداره، كالفساد الإداري الذي تعاني منه كل المجتمعات العربية، والذي هو واحد من أهم أسباب الفقر الذي يجلب معه كل مساوئ الدنيا، كالجهل والمرض وبقية الأمراض الاجتماعية.

فإن تستخدم صلاحياتك لمنح ابنك أو لابن من يهمك أمره وظيفة هو لا يستحقها أو حتى يستحقها لكن دون أن تعطي فرصاً متكافئة لمن هم مثله ليتنافسوا عليها بعدالة فأنت لا تساهم في بقاء مجتمعي مرفها، بل تساهم في تخلفه وتضرني أنا كاتبة هذا المقال وتضر القراء وتضرنا جميعاً.

وإذا كان لديك ولاء لشركتك أكثر من ولائك لمجتمعك الذي أنت ونحن أفراد فيه بحيث تتغاضي عن ممارسات الشركة غير الأخلاقية بحقنا فأنت تساهم في انحدارنا جميعاً وهذا ظلم.

وإذا سمحت لنفسك أن تخالف الأنظمة وتتلاعب بالقوانين وتستغل الموارد بصورة غير عادلة فذلك أيضاً ظلم لنا وثق أن الكثيرين غيرك سيفعلون مثلك، ومن ليست بيده القدرة لعمل نفس الشيء فسيغض الطرف عمن يمارسه، وسينتشر الفساد أسرع مما تتصور. والمشكلة في الفساد أن نتائجه المدمرة سريعة جداً وقد تعايشها فقط خلال جيل أو جيلين من بدء انتشارها.

فقد تقدم في حياتك المهنية واسطة للعشرات ممن لا يستحقونها، ثم ترى أبناء أبنائك وهم يجلسون في البيت دون وظيفة أو تعليم، أو قد ترى ممن يعز عليك يعاني من مرض لأن الخدمات الصحية غير متوفرة بسبب ما أسست أنت له، فالممارسات الإدارية الفاسدة تشبه الملوثات التي تنتشر في الهواء الذي سيستنشقه الجميع لا محالة.