أعجب كثيراً من التقطيب والتجهم الذي يعلو الكثير من الوجوه رمضانياً! ويزداد عجبي أكثر حين يخلو الوجه من كثير من التعابير الفُضلى أو حتى التعابير السلمية العادية كالابتسامة المتكلفة أحياناً. ولا يزال العجب قائماً حين يستغرب البعض من شخص ما حالة النشوة والفرفشة المباحة في نهار رمضان! مع العلم أن الظرفاء نكهة الحياة.. بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وباعثو السرور في حياتنا هم مضادات للاكتئاب، والقسمة المكروهة من الضغوطات اليومية لا تُعاش من دونهم حتماً..

ولعلنا نتفق على أهمية (الظُرف) لأنه في حال غيابه أو قلته وشحه، سنقع تحت طائلة زيادة الـ (و) للكلمة لتصبح (الظروف)، لذا من المهم المحافظة على الـ (ضمة) التي على الـ (ظ) بدلاً من تحولها إلى (و) لأننا كما نعلم أن كلمة ظروف مقترنة بكل ما هو (ضغط).

وما أحسن قول سيدنا علي بن أبي طالب (من كانت فيه دعابة فقد برئ من الكِبر)، فالدعابة إذاً ليست مجرد فعل مرح ليس له دلالات ذاتية التأثير، وما أحوجنا لمعالجة الكِبر الخفي الذي نغفل عنه أحياناً. واسمحوا لي أن نبقى في صحبة سيدنا علي رضي الله عنه ومساحة الظرف في حياته، فمن ذلك مثلاً: أنه أتاه رجلٌ فقال: (إني احتلمت على أمي. فقال رضي الله عنه: أقيموه في الشمس، واضربوا ظله الحدّ).. وقد ذكر العلماء في سيرته رضي الله عنه هذه الجملة (... كان معروفاً بالانبساط والانطلاق والهشاشة إلى الخلق والمزاح)، وهم مسبوقون بشهادة سيدنا عمر رضي الله عنه فقد قال: (عليٌ امرؤ به دعابة) وقال عنه مرةً: (إنه رجل تلِعّابة) أي مزّاح وفيه مضاحكة. وسيدنا علي ذاته مما أُثِر عنه قوله: (لا بأس بالمفاكهة يخرج بها الرجل عن حدّ العبوس)..

ومع هذا كله كان رضي الله عنه كما وُصِف: (كان إذا فزع فزع إلى ضرس حديد) أي إلى قراءة القرآن والفقه في الدين والجسارة، كما فسره بذلك من نقله عنه. وفي هذا صورة من صور تجلي ملكة الاتزان عنده رضي الله عنه ومن كان في مثل حاله، وهذا ذكرني بكلمة للإمام الذهبي يقول فيها: (خير الناس من كان بكّاءً في الليل بسّاماً في النهار)، وكأني أفهم أن المزاح يرقى بنُبل السجايا عند الإنسان..

فلننكت ولنملأ رمضان بهجة وسرورا لدرجة العدوى الجميلة، ولنحرص على لياقة صفحة وجوهنا من خلال كسوتها بحلية البِشر الممتع للعين والذي تستريح له النفس.