ليس لدي مشكلة – وأظنك مثلي– مع من يختلف معي في الرأي، بل إنني في مواقف كثيرة أحرص على أن نظل مختلفين لأطول وقت ممكن لأنني أستفيد كثيرا من بعض من يختلفون معي سيما إن كانوا من ذوي العلم الغزير والرأي السديد، ومن الطبيعي أن الإنسان يسعده كثرة المتفقين معه في الرأي، والمؤيدين لما يقول، لكن في الغالب الأعم فإن المتفقين والمؤيدين لا يضيفون لصاحب الرأي جديدا ولا يحفزونه لبحث ولا يدفعونه لإضافة، بل إنه قد يتكلس فكريا، ويأسن رأيا إن بقي مقيما على أنغام المتفقين معه والمؤيدين له، وليس هناك أفضل تحفيزا وأشحذ لهمة من الاختلاف، فالمختلف معك يفيدك بما لديه، ثم بدفعك للبحث والتقصي وكل ذلك من شأنه إيصالك لقراءات أوسع والوقوف على آراء أكثر، والتعرف على عوالم فكرية وثقافية لولا هذا المختلف معك لما فكرت في ارتيادها، والأمر هنا قد لا يدفعك إلى الاتفاق مع المُختلف معك فقط أو حمله على الاتفاق معك، وإنما النقاش والبحث قد يدفعكما إلى ما هو أبعد من نقطة الاختلاف، وقد يوصلكما إلى رؤى أبعد وآفاق أشمل، وتصورات أدق، وما أكثر ما تحول المختلفون إلى أصدقاء، وبقوا على اختلافهم لأنهم لم يجدوا فيه مشكلة وإنما مصلحة تخدم الطرفين وتقدم لهما المزيد من العلوم والحقائق والمعارف ولا تخدش علاقاتهم وصداقاتهم وإنما تعززها، ولدي تجارب – وإن كانت محدودة – في صداقات عميقة كان منطلقها الأساس خلافا في الرأي مازال مع بعض أصدقائي هؤلاء مستمرا حتى الآن.
مشكلتي – وأتصور أنها مشكلتك أيضا – هي مع من يشتمني ويكيل لي التهم والأباطيل لأنه عاجز عن الاختلاف معي أي ليس لديه حجة يدلي بها فيسلك طريق التسفه والاتهام، طبعا أعرف أنه لا يغيب عن أذهانكم أن هذا النوع من البشر لا يضير ولا يضر أحدا أكثر من ضرره لنفسه أولا، فهو يضع نفسه في موضع قبيح، ومن حق من شتمه أن يرد عليه بشتيمة مماثلة، فإن ترفع عن الولوغ في ذات الإناء القذر فلا مناص من الاحتقار وأسوأ منزلة لأي بشر أن يكون مُحتقرا، وأنت وأنا وهو وهي لامناص لنا من احتقار من لا بضاعة لديه سوى شتم الآخرين وابتكار التهم لهم واختلاق الأباطيل حولهم، إما لأن هؤلاء الشتامين يغارون من الآخرين، أو لأنهم لا يملكون علما ولا وعيا يؤهلهم للاختلاف المتحضر العاقل معهم.
أحد أصدقائي الذين أختلف معهم في الرأي في بعض الأمور، يستعين أحيانا بشتامين يطبلون لرأيه من خلال شتيمتهم للآخرين الذين يختلفون معه، ومشكلة هؤلاء الشتامين الذين يفزعون لصديقي أحيانا أن حتى قاموس الشتيمة لديهم لم يتغير ولم يتطور، وحتى التهم والأباطيل التي يسوقونها لم يطرأ عليها أي تحسن، فكل شتائمهم وتهمهم وأباطيلهم عبارة عن مجموعة شعارات جوفاء وتهيؤات مريضة تواترت إليهم عبر المجالس لا عبر الكتب من أزمان القومية البائدة ومن أكاذيب وادعاءات وتضليلات الممانعة المعاصرة، وهذا يؤكد أن هؤلاء الشتامين المساكين ليسوا سوى ضحايا لجهلهم من جهة، ولوجود من يستمع لهم ويروج لشتائمهم – كما يفعل صديقي – من جهة أخرى، ولو تم إهمالهم لربما شفاهم الله، وليتنا ندرك ونتأمل أن شتائمنا للعدو – أي عدو- طوال تاريخنا لم يحدث من جرائها إلا المزيد المزيد من الضعف والقوة، الضعف لنا والقوة لهم، فما بالك وقد تحول الشتامون في زمننا إلى توجيه شتائمهم وأباطيلهم إلى أبناء جلدتهم الذين لا تعجبهم آراءهم ولا توجهاتهم ولا يملكون حججا يقدمونها فيلجأون لطريق العجزة فكريا، إنهم مساكين فعلا وهم مرضى ومعالجتهم ممكنة وواجبة على كل قادر.