يجمع فنانون ومخرجون سعوديون على غياب مظاهر الرموز الدينية في الأعمال الدرامية السعودية، بما فيها شعيرتا الحج والعمرة، التي تعتبر أكثر الصور تعبيراً عن قداسة المكان وهوية المجتمع الذي يحتضن الحجاج ويقوم بخدمتهم.
ويأتي هذا التذمر من غياب الحج والعمرة عن الدراما السعودية في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم إلى الإنتاج الضخم الذي قامت به مؤسسة إماراتية تحت عنوان "رحلة إلى مكة"، والتي ترصد وقائع رحلة ابن بطوطة، وقد صورت بعض مشاهدها في المشاعر المقدسة.
بداية لاحظ المخرج والمنتج هاني السعدي أن ذلك يعود إلى مستوى التكاليف العالية التي يحتاجها عمل درامي يأخذ بعين الاعتبار المظاهر الدينية في المملكة، ويعكس هوية البلاد.
وضرب السعدي مثلاً بفيلم "رحلة إلى مكة" الذي أنتجته شركة إماراتية وتكلف عشرات الملايين، وقال "لو عرضت مثل هذه الأفكار على التلفزيون السعودي لكانت الإجابة أنه لا توجد أموال تكفي لمثل هذا الإنتاج.
لكن السعدي أوضح أنه يعتقد بأن كتاب المسلسلات السعودية لن يترددوا إذا احتاج العمل إلى مشاهد من العمرة أو الحج في كتابة ذلك، يقول "ومع ذلك يجب أن نعترف أن الرموز الدينية لا تظهر في الأعمال السعودية، في الوقت الذي قلما نجد عملاً مصرياً لا تظهر فيه الأهرامات أو النيل"، متمنياً أن ينتج مسلسل عن الشيخ ابن باز مثلاً.
ويلقي الفنان محمد بخش اللوم على التلفزيون السعودي، وعلى بيئة العمل السعودية، ويقول "من المؤسف ألا تعكس الدراما السعودية مظاهر من الحج أو العمرة، أو حتى مظاهر إسلامية عامة، على الرغم من أننا نحن أحق وأولى بإنتاج مثل هذه الأعمال، وهو ما يؤشر إلى قصور رؤية المنتجين السعوديين عن مزايا إنتاج الدراما التاريخية والإسلامية التي هي في الواقع أكثر ربحية".
وينتقد بخش بيئة الإنتاج السعودي قائلا "ليس لدينا بنية تحتية للإنتاج، فليس لدينا معاهد معنية بذلك، ولا جامعات فيها أقسام للدراما، ولا نملك مدناً إنتاجية كما هو الحال في الدول المجاورة، ونكتفي فقط بالمحاصصة بيننا وبين إخوتنا العرب الذين ينتجون بأموال خليجية وسعودية ونكتفي نحن بالتمثيل".
ويرى الفنان محمد بخش أن نظرة سريعة على الأعمال الدرامية السورية ترينا كيف تنعكس هوية المجتمع السوري وثقافته في هذه الأعمال، بينما أعمالنا خالية من أي مؤشر على هويتنا.
ويقر المخرج والممثل الدكتور فهد غزولي بغياب مظاهر الحج والعمرة والمظاهر الدينية الأخرى عن الأعمال الدرامية السعودية، ويقول "هناك خوف من التجربة، وندرة في الكتاب المتخصصين، إضاف لتكلفة الإنتاج العالية، والقلق من الاجتهادات الدينية حول هذه الأعمال"، مشيرا إلى أن هذه العوامل تسببت في عدم ظهور مشاهد من الشعائر في الدراما السعودية أو حتى الإشارة إلى موضوعات ذات طابع إسلامي.
ويضيف غزولي "أعترف بالتقصير، لأن الدراما يمكنها المساهمة بشكل كبير في تقديم الصورة الناصعة للمملكة، لكننا للأسف لا نستثمر ذلك".
ويتفق الإعلامي والممثل ومقدم البرامج التلفزيونية علي السبيعي مع رأي الدكتور غزولي، مؤكدا أن هناك رؤية قاصرة عند المنتجين الذي لا يستثمرون وجود الأماكن المقدسة في المملكة للترويج لأعمالهم، وفي الوقت نفسه خدمة الوطن، فينظرون إلى الربح السريع في الأعمال المتعجلة على أنه غايتهم، ولا يدركون أن هناك أكثر من مليار مسلم يتشوقون إلى معرفة المجتمع السعودي وعلاقته بالأماكن المقدسة".
ويشير السبيعي إلى إحدى تجاربه في تقديم عمل درامي ذي طابع ديني قائلا "لقد كان العمل يستحضر الأماكن المقدسة، لكنه لم يصور أي مشهد فيها، وأنا أعزو ذلك إلى الاستسهال في إنتاج الأعمال السخيفة التي لا تثير أية أسئلة".
ويعتقد السبيعي أن الدراما تفعل فعل السحر في الجماهير، ومع ذلك ما زلنا ننظر إليها على أنها قضية ترفيه، منتقداً الاهتمام الواسع بالمسرح، والذي لم يؤد إلى أي نتيجة حتى الآن، بينما تغيب الدراما، ويستأثر بها من لا يعرف مقدراها.