لو قامت جهة ما بعمل استفتاء للمواطنين والمقيمين ولكل من يزور المملكة عن أسوأ الجهات السعودية، التي يضطر للتعامل معها، فإنني أتوقع أن تأتي الخطوط السعودية في المركز الأول.
قبل خمس وعشرين سنة، (أي ربع قرن)، كلفت جهات استشارية بدراسة أوضاع الخطوط، وأشرف على تلك الدراسة ثلاثة من خيرة الخبرات السعودية وهم الشيخ سليمان العليان والشيخ وهيب بن زقر رحمهما الله، والشيخ عبدالعزيز القريشي أطال الله عمره. وقد حددت الدراسة عدداً كبيراً من مشكلات الخطوط، كثير منها ما زالت تعاني منه حتى اليوم، وكان من أهم نتائجها:
-عدم وجود ثقافة تجارية في إدارة أعمال الخطوط، ومن أهمها أن العميل هو الأساس.
-عدم ملاءمة نوعية أسطول الطائرات مع خطوط السفر، مما يترتب عليه ارتفاع كلفة الوقود نتيجة تسيير الطائرات الكبيرة على مسارات قصيرة.
-التلاعب بالحجوزات وتوجيهها لبعض وكالات السفر والسياحة.
-المحسوبيات في التعيينات والتكدس الوظيفي.
ووضعت الدراسة مجموعة اقتراحات كحلول محتملة.
وركزت إجابات إدارات الخطوط السعودية المتعاقبة، على أن أساس المشكلة هو تدخل الحكومة بفرض رحلات إلى 26 مطارا داخليا، وفرض أسعار مخفضة للتذاكر الداخلية، بما لا يسمح للخطوط بتقديم الخدمة، ومن ثم فإن أي أرباح متحصلة من الطيران الخارجي، تذهب لإعانة الطيران الداخلي، ويترتب عجز مالي، تضطر الحكومة إلى سدّه، وتستمر تلك المشكلة دون حل.
وقد نتج عن ذلك أن أصبحت الخطوط السعودية معيقاً إضافياً للاستثمار، يضاف إلى المعوقات الأخرى، وأصبحت دبي مركزاً لاجتماعات رجال الأعمال السعوديين مع غيرهم حول العالم، ناهيك عن معاناة باقي المسافرين.
ما هو الحل؟ شخصياً أنا أعترض على التوجه الذي تبنته الخطوط السعودية بتخصيص وبيع الأجزاء المربحة من نشاطها (التموين، والشحن الجوي)، لأن ذلك يعمّق المشكلة، ويؤدي إلى مزيد من الخسائر، ومن ثم تردّي خدمات الطيران ذاته، ولكنني أتمنى لو فصلت الخطوط إلى شركتين، وأؤكد على مسمى شركة، وليس مؤسسة، لأن المؤسسة ما هي إلا إدارة حكومية، لا تدار بعقلية تجارية. شركة للطيران الخارجي، وهذه يفترض أن تكون قادرة على الوقوف على قدميها، ومن ثم طرحها للاكتتاب العام، والثانية للطيران الداخلي، وفي هذه الحالة على الحكومة تحمل تبعات خفض أسعار التذاكر، بحيث تقدم الحكومة، إعانة لشركة الطيران الداخلي، ويمكن لتلك الإعانة أن تتناقص بمقدار الزيادة التدريجية في أسعار التذاكر الداخلية. ويمتاز هذا الاقتراح أيضاً، بأنه يخفف العبء الإداري، نتيجة فصل الشركة إلى شركتين وإدارتين منفصلتين.
وأنبّـه إلى أنه دون ذلك، فالدراسات التي تمّت حول ذات الموضوع قبل ربع قرن، ستبقى حبيسة الأدراج، مع الفارق بأن حركة الطيران اليوم هي أضعاف أضعاف ما كانت عليه، وسيكون الخاسر الكبير هو الاقتصاد الوطني والمسافر.