يحمل بعض أبناء جنوب السودان ممتلكاتهم التي جمعوها على مدى 30 عاما على شاحنة ويستعدون لمغادرة الخرطوم والتوجه إلى ديارهم لضمان أن يؤخذ بأصواتهم في استفتاء على الانفصال من المقرر إجراؤه أوائل العام المقبل. وكان مئات الآلاف من الجنوبيين قد تدفقوا على الشمال على مدى العقود السابقة هربا من الفقر والصراع على أمل أن يجدوا حياة أفضل في مخيمات النازحين المتداعية حول الخرطوم. والآن يخطط كثيرون للعودة من الخرطوم إلى جوبا عاصمة الجنوب التي تبعد 1200 كيلومتر، بالطائرة وهي أبعد كثيرا عن طريق البر أو النهر وذلك للمشاركة في الاستفتاء.

ويحق للجنوبيين الذين يعيشون في الشمال وثماني دول أخرى خارج السودان الإدلاء بأصواتهم حيث هم. وأقيمت مراكز للتسجيل في أنحاء العاصمة السودانية، لكن كثيرين يخشون من التعرض لأعمال انتقامية إذا اختار الجنوبيون الانفصال، كما يخشون أن تتلاعب سلطات الشمال بالأصوات.

وقال طالب، وهو يتحدث بصوت خفيض بينما كان يساعد في تحميل أسرة معدنية ومقاعد بلاستيكية تخص جيرانه خلال إقامتهم في الشمال في شاحنة تتجه الآن إلى قرى حول بلدة بانتيو بولاية الوحدة في الجنوب "سأعود لأنني أريد التصويت في الجنوب". لكنه خفض صوته لسبب، فقد وصل بعد ثوان مسؤول يحمل ملفا عليه اسم حزب المؤتمر الوطني الحاكم. رفع الطالب صوته وغير نبرته قائلا "لا. لا علاقة لهذا بالاستفتاء. لسنا مهتمين بالسياسة. هذه مجرد عودة طبيعية". وبعيدا عن الشاحنة في قلب معسكر مانديلا للاجئين في الخرطوم أبدى الشيخ المسن ثون ديود تشول درجة أقل من الحذر قائلا "هناك استفتاء قادم والناس عائدون.. إذا لم يكن هناك من يستطيع تنظيم النقل فسنعود سيرا على الأقدام".

وقال تشول ماكويج، وهو رجل مسن من الجنوب "الناس خائفون. سمعوا شائعات بأنه لن يتاح لهم العلاج الطبي بعد الاستفتاء.. إذا صوت هنا فربما يغيرون صوتي إلى صوت لصالح الوحدة". وأفادت تقارير بأن حكام ولايات جنوبية أخرى يعتزمون زيارة الخرطوم في المستقبل القريب للتخطيط لعودة أبناء الولايات السابقين. وظهر أول مؤشر على إحجام الجنوبيين عن التصويت في الشمال الاثنين الماضي وهو اليوم الأول لتسجيل الناخبين من أجل الاستفتاء.

وقال المتحدث باسم المفوضية المنظمة للاستفتاء اليو قرنق اليو إن الآلاف قضوا اليوم الأول للتسجيل مصطفين أمام أكثر من 2623 مركز تسجيل في أنحاء الجنوب بينما لم تسجل مراكز كثيرة أنشئت في الخرطوم سوى حفنة من الأسماء.

ومع تبقي أقل من شهرين على الاستفتاء لا تزال مخاوف الجنوبيين قائمة. وتساءل الواعظ في قداس أقيم بكاتدرائية جميع القديسين الإنجيلية في الخرطوم قائلا "ما هو هذا الاستفتاء.. إنها مجرد كلمة لكنها أصبحت مثل الجبل. الناس خائفون. إنهم يرحلون إلى الجنوب. يذهبون إلى دول أخرى." وفي الأسابيع الأخيرة أدلى المسؤولون الشماليون بخطب أكثر ميلا للمصالحة. كما وقع زعماء شمال السودان وجنوبه "اتفاق إطار عمل" يعد بالسماح للناس باختيار جنسيتهم بعد الاستفتاء على الاستقلال.