أول رمضان رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، ثمة سؤال كثيراً ما أبحث عن إجابة له وهو: لِمَ كان أوله رحمة؟ إن كثيراً من العلماء الذين حاولوا الإجابة عن هذا السؤال ذكروا أن "الرحمة مشتقة من اسم الله الرحمن الرحيم.. وهي الشفقة والعطف والحب من الله لعباده.. فأول رمضان تتنزل الرحمات بين العباد".. تعجبني هذه الإجابة كثيراً، ربما لأننا في رمضان نظن أن العبادة هي الصوم وقراءة القرآن وصلاة التراويح، ونغفل عمّا هو عبادة في أصله وتقرّب لله عز وجل، وهو أن يكون ما بيننا وبين عباده ـ أياً كانت قرابتهم لنا أو علاقتهم بنا ـ رحمة وشفقة، دعونا هنا نذكّر أنفسنا ونذكر من حولنا بمعاني هذه الرحمة، وسأكتب أنا أهمها بالنسبة إليّ، وسيسرني إكمالكم أنتم الباقي.
• أيها الأكبر منا والأعلم منا والأفضل منا في نظر أنفسهم لأنفسهم، توقفوا عن انتقادنا, وتصيد أخطاء أطفالنا، والتقاط هفواتنا, إن ترديدكم لكل هذا لا يجعلكم أفضل ولا يجعلنا أنقص، ولكنه يوغر الصدور، وخصوصاً عندما لا نستطيع بحكم سنكم أو قدرتكم أن نصرخ فيكم (هذا ليس من شأنكم).
• أيها الإمام المميز جداً في قراءته ليس لصوته فقط ولكن لإجادته قراءة القرآن بالتجويد، وأنا لا أستطيع أن أنسى كوني معلمة قراءات؛ أن الصلاة خلف من يلحنون نوع آخر من التعذيب، لكنك يا سيدي ما أن تنتهي من صلاتك حتى تبدأ في "موشح يومي" تنال فيه من الكتّاب الليبراليين، ويبدو أنك متابع جيد لكتاباتهم أكثر منا جميعاً، كما أنك مبلغ جيد عنهم، وأنا يا شيخي الفاضل لا يهمني في رمضان سوى أن أعبده سبحانه، لا أن أدعو على عباده أو أتفرغ لتأويل كتاباتهم والظن السيئ بنواياهم.
• أيها التجار الذين أغناهم الله من فضله وسهلت لهم بلادي مصادر الرزق، سواء كانوا سعوديين أو يعملون بتصاريح سعوديين من تجار الفيز والكفالات، في زمن سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- اشتكى الناس غلاء السلع، وخاصة اللحم، فعندما سألوه، قال لهم: أرخصوه أنتم.. فعَجِبوا وقالوا: كيف ونحن لا نملكه؟! فأجابهم: اتركوه لمن يملكه!! أوقن أنكم تذكرون في اجتماعاتكم أننا لن نكون جادين في مقاطعتنا لمن يرفع الأسعار لأننا شعب استهلاكي، وتعودنا على الرفاهية، وتنسون أن في جيناتنا الصبر على الصحارى والظمأ، وسيكون من السهل جداً إعادة تفعيلها مرة أخرى، فنهر الربح الذي تستقون منه سينضب والبديل متوافر أكثر مما تظنون، فصناعة قدر من الزبادي داخل البيت أسهل كثيراً من طبخ الكبسة, فلمَ تختارون حل المقاطعة في الوقت الذي لو رضيتم فيه بالربح المعقول ستكسبون مساندتنا وأن نبقى عملاء لكم دائماً، لذا في رمضان لا تراهنوا على صمتنا.
• أصحاب القنوات الفضائية, رمضان ليس شهر المسلسلات الخليجية التي تنتهي بموت جميع الأبطال وتمتلئ بالنساء "المنفخات"، وليس شهر المذيعات اللواتي أخطأن الطريق من غرفة النوم إلى شاشة التلفزيون, في أمريكا وفي البلاد التي تحترم القنوات فيها المشاهد يقيم الناس دعاوى ضد الابتذال، وفي بلادنا سنقفل التلفزيون ما دمتم تصرون على انتهاك حرمة الشهر الفضيل.