يقال والعهدة على ما جاء في الكتب المقدسة عند اليهود والنصارى إن أمنا حواء كانت وراء طرد أبينا آدم من الجنة، عندما أغوته بأكل التفاحة التي نهى الله عن أكلها، طبعاً هذا مخالف للنص القرآني الذي يذكر أنهما أكلا معاً من الشجرة إن كانت تفاحاً أوغيره (فأكلا منها) و شاركا سوية في معصية الله.

وبحسب رواية أهل الكتاب، فإن حواء هي المسؤولة عما جرى لآدم و ذريته من بعده إلى يوم الدين وهي على ذلك تستحق أن تلام وتعنف وتعامل أسوأ معاملة، فلولاها لما أجبر الرجل أن يخرج من الجنة وينزل إلى الأرض حيث الشقاء والموت والحروب فهي "ينبوع جميع آلام الإنسان ومصائبه"؛ لذلك عليها أن تدفع الثمن، فدفعت، واستكانت، وخضعت للرجل، بعد أن مارس معها كل أنواع القهر، وعاملها بمنتهى القسوة عبر مراحل التاريخ بغية تحطيم قدرتها على المقاومة وفرض إرادته عليها.. ففي الهند مثلاً كانت القوانين التي وضعها الرجل تلزمها عندما يموت زوجها على حرق نفسها لتلحق به في الآخرة ولتقوم بخدمته هناك أيضاً! فيما عدت "الوباء والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار.. خير من المرأة"، وفي بلاد “فارس” كان يبيعها ويشتريها كما يبيع ويشتري البهائم، وفي “روما” عاملها معاملة المجانين بسبب "أنوثتها"، وعند "اليونانيين" اعتبرت "رجساً من عمل الشيطان!" أما في المجتمع العربي قبل الإسلام فكان يئدها لقرون كما هو معروف فقط لكونها أنثى !

ترى كل ذلك وتطيع وتتحمل من دون أن يكون لها حق الاعتراض.. ربما المرة الوحيدة التي صادفها الحظ في تحسين وضعها المتردي، كانت في ظل الدين الإسلامي الحنيف، الذي عاملها كإنسانة كما ينبغي أن تعامل، ورفع من شأنها، وأعلى من قدرها، و فضلها على الرجال في مواضع كثيرة، ولكن لفترة قصيرة، سرعان ما ظهر "بعض" الفقهاء، فضيقوا عليها الواسع وأفسدوا عليها ما كانت تتمتع به من كرامة وعيش محترم، من خلال فتاواهم التي لا تمت إلى روح الدين الإسلامي و سماحته بصلة، بل تستند إلى اجتهاداتهم وتأويلاتهم الخاصة، فناصبوها العداء ورموها بكل ما ينتقص منها كإنسانة، عاملوها بازدراء، وحذروا الناس من الاقتراب منها وكأنها "جربانة " وهي ليست كذلك، وحرموا التكلم معها والنظر إليها والجلوس معها أو الاختلاط بها وكفروا من يجيز ذلك وأباحوا دمه، واعتبروها "عورة" من ساسها إلى راسها وفرضوا على كل شبر من جسدها قيداً صارماً، خشية وقوع الرجال في أحابيلها، خاصة إذا كانت تلك "العورة" جميلة وممشوقة القوام، فهي "أم الفتن" و"أس البلاء" و"أصل الشقاء" يجب الاحتراز منها، والابتعاد عنها كما تبتعد عن وباء الطاعون!. مع إن الإسلام ينظر إلى المرأة بما هو موجود فيها من ضعف وجمال ورقة و يقر بحقيقتها الفسيولوجية التي يحاول بعض الفقهاء طمسها وإخفاء معالمها، بنفس نظرته إلى الرجل وتكوينه الجسماني من رجولة وخشونة وتحمل أعباء المسؤولية، ولا يرى حرجاً في أن يشير إلى بعض من مفاتن المرأة الجسمانية للرجال ويحبذهم فيها كما ذكر في آيات محكمات منها: (إنا أنشأناهن إنشاء، فجعلناهن أبكارا، عربا أترابا، لأصحاب اليمين) و (وكواعب أترابا) و (كأنهن الياقوت والمرجان) وعبارة كواعب أترابا تعني بحسب المفسرين المرأة الجميلة التي برز ثدياها.. فالإسلام يخاطب الجنسين المختلفين بما ركبا عليه، فلا يطالب المرأة بما يطالب به الرجل من وظائف ومسؤوليات والعكس صحيح، فلكليهما مواصفات خاصة لا تتوافر في الآخر، لذلك كثيراً ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الرجال إلى الرفق بالقوارير كناية عن النساء، وحسن معاملتهن، ويحث المرأة كذلك على أن تهيئ للزوج أسباب الراحة بعد يوم حافل من العمل الشاق، فالعلاقة بين الرجل والمرأة في الإسلام ليست قائمة على الصراع والشحناء وفرض الآراء بالقوة كما يحاول البعض من الفقهاء تصويرها، بل تقوم على أساس المودة والمحبة والمساواة، فلا فرق بين الرجل والمرأة إلا بالتقوى والعمل الصالح (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عندالله أتقاكم)، فمهما حاول "البعض" من هؤلاء الفقهاء توتير العلاقة بين الرجل والمرأة وإخراجها عن مسارها الطبيعي الذي أقره الله سبحانه، فلن يستطيعوا أن يغيروا الكلم المقدس عن مواضعه، وسيمنون بالفشل الذريع..

والمفارقة، أن أكثر الفقهاء الذين تصدوا للمرأة بفتاواهم النارية وحذروا الناس من خطرها "الداهم" هم من الطاعنين في السن (من دون تعميم)، فيما تركت الأمور الأخرى؛ كتكفير المجتمع و قضايا الإرهاب والتفخيخات والتفجيرات لتقديرات الفقهاء الشباب وحكمتهم في معالجتها (من غير تعميم أيضاً)، فهم الأقدر بما يملكون من قوة ونشاط ومنعة على التناغم مع جو الدم والذبح والسلخ.