الأول من أكتوبر عام1943م لم يكن يوماً عادياً. تستيقظ منطقة الشرق وفي حي الصوابر أحد أقدم أحياء الكويت القديمة. لم تصح المدينة في ذلك اليوم على أصوات العصافير وعلى نسيم البحر الهادئ, بل كانت تستقبل الصرخات الأولى للطفل سامي محمد الصالح, الذي فتح عينيه للمرة الأولى ببيت يُمارس فيه فناً غير الفن الذي آل إليه محمد فيما بعد, إذ كان والده خياط "بشوت" (العباءة العربية التي يلبسها الرجال) واشتهر بتطريزه لزخارف "الكرمك" التي يزين بها (حواشي البشت), في هذه الأجواء المُلبدة بالفن تفتقت موهبة سامي محمد وإن ابتعدت عن والده إلا أنها تلتقي في إطار الفن العريض, فقد تنطبق مقولة (ابن الوز عوام) هُنا, وقد يكون ابن الوز أكثر قدرة على العوم والتحليق أيضاً!
بدأ مشوار النحت من الطين, وهذا يبدو مبرراً مقنعاً لارتباط أعمال سامي محمد بصراع الذات الإنسانية.
يصف سامي بداية علاقته بالطين والبحر والفن : (كنت طفلا صغيرا عندما بدأت علاقتي بالطين. أجلس صامتا أراقب حوائط بيتنا المبنية من صخر البحر واللبن. شيء ما حركني فامتدت يدي إلى الطين وأبداً لم أدرك وقتها أنني إنما كنت أمد عمري بكامله!)
وكأي فنان كانت البداية من مرحلة التقليد حيث كان يسند ظهره لأحد الحوائط ويقوم بنحت تماثيل للطيور والأسماك والحيوانات, وبعد أن يطمئن أن هيئتها مشابهة للهيئات التي يراها يحملها للشمس حتى تجف, وبعد الاطمئنان عليها يحملها لأقرانه الصغار مستمتعاً بتأمل دهشتهم وتفحصهم منتشياً بما أنجزه, ثم لا يلبث الصغار أن يمتد نزقهم وطيشهم ليكسروا التماثيل قبل أن يعودوا إلى بيوتهم ويعود سامي من جديد للغياب في عالمه الخاص(إلى الطين)!
العام 1956م وإن ارتبط في الذاكرة العربية في تجاويف الألم, إلا أنه لم يكن ألماً مطلقاً بذاكرة سامي محمد, فقد أعلنت مدرسته تضامنا مع شهداء العدوان الثلاثي على مصر ووقوفاً إلى جانب الشعب المصري إقامة مجسم لمعركة بورسعيد وبور فؤاد على مسرح المدرسة, حيث كلف سامي ومجموعة من زملائه مهمة إنجاز نماذج لجنود ونساء وأطفال تحت إشراف أساتذة التربية الفنية في المدرسة, وأثناء الحفل يتذكر سامي كيف زف (ميكرفون) المدرسة اسمه, يصف سامي تلك اللحظة (وكم كانت فرحتي كبيرة لحظة أذيع اسمي من (ميكرفون) المدرسة, وخرجت لأصافح راعي الحفل الشيخ عبدالله الجابر الصباح. يومها استلمت أول جائزة في حياتي, وكانت عبارة عن قلم جاف وخلافا عن كل الأقلام, ظل ذاك القلم نديا في ذاكرتي وقلبي).
صراع الذات الإنسانية
قلما تخلو أعمال الفنان سامي محمد من الإنسان المسحوق, فعذابات الإنسان المكبّل بالخوف, الطامح لاستعادة الحرية, لا تشاهد عملا تستوقفك جمالياته فحسب, بل تجد نفسك محاطاً بعالم مرعب يجعلك تتحسس أطرافك, يعود بك مجدداً للإنسان الذي تعرفه جيداً حتى لو لم تره, يحول (الإزميل) إلى مجهر دقيق يكتشف فيه بوضوح فكرة الصراع الإنساني, الإنسان بعمقه المخيف, وثورة الكبرياء والرفض والتمرد..
ولأنه فنان حقيقي لم تغب عنه يوماً هواجس الإنسان العربي, فقد كان"إزميله" حياً وبحساسية الفنان كانت هموم العرب تستنزفه, وهو الذي أبدع كثيراً في أعماله عن مأساة (صبرا وشاتيلا). يصف الكاتب والناقد جبرا إبراهيم جبرا:
"إن أعماله جديرة بأن توضع في الأمم المتحدة وأروقة اليونسكو في باريس"
وكانت جائزة الإبداع الفني التي مُنحت له من مؤسسة الفكر العربي في الدورة الرابعة لجائزة الإبداع العربي، تتويجاً يستحقه, وقد علّق الفنان والنحات الكويتي سامي محمد على منحه الجائزة باقتضاب قائلاً: (أشكر كل من بارك لي بمناسبة فوزي بجائزة الإبداع الفني العربي, كما أني أشعر بهذا التواصل العربي الجميل بمثابة جائزة أخرى لي) وأضاف (شعور الفوز يتشابه عند الجميع, لكنني أعتبرها طوقاً في عنقي, وأشعرتني بالمسؤولية).
سيرة
سامي محمد الصالح
مواليد أكتوبر1943م بالكويت
تخرج في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام1970
شارك في المعرض الخامس للفنانين العرب وحصل على جائزة الشراع الذهبي الأولى.
1984- شارك في بينالي القاهرة الأول للفن وحصل على الجائزة الأولى للبينالي.
صدر له كتاب "فن سامي محمد"، بـ (اللغة العربية والإنجليزية)، يرصد ويتتبع تطور وتحولات فنه خلال أربعة عقود.
حصل على جائزة الدولة التشجيعية - المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عن مجموعة "رباعية الرعب".
عرض متحف روتردام في هولندا ثلاثا من لوحات "مشروع السدو" من يوليو 2001 إلى مارس 2002 ضمن احتفالات المدينة كعاصمة للثقافة الأوربية.