رغم ارتباطه بإمامة المصلين في مسجد الملك فيصل بمدينة أبها لعدة سنوات, وتسجيله العديد من مبادرات الإصلاح في المنازل بدلا من أروقة المحاكم بصفته قاضيا متدرجا في العديد من محاكم منطقة عسير, إلا أن كل ذلك لم يمنع الشيخ هاشم بن سعيد النعمي الذي غيبه الموت الاثنين الماضي عن عمر يناهر المئة عام, من تأليف العديد من الكتب في الدين والتاريخ والأنساب والأدب, وبقيت عناوين كتبه المطبوعة "عسير في الماضي والحاضر", "المئوية", "شذا العبير لأدباء ومثقفي منطقة عسير", شاهدا على ما قدمه من نتاج للأجيال القادمة ومرجعا للباحثين الذين ظلوا لعدة سنوات يزورونه في سرائه وضرائه لتقصي حقيقة كل ما يشكل عليهم.

في السابعة من عمره التحق الفقيد بالكتاتيب, وتعلم فيها القرآن الكريم ومبادئ التوحيد والفقه والتجويد على يد معلمه وقتها الشيخ محمد الحاج، وما إن صدرت الموافقة على افتتاح أول مدرسة بمدينة أبها في العام 1357 حتى كان من أوائل الملتحقين بها.

وفيما ظل طلب العلم هاجسا يسيطر عليه رغم عدم توافر الإمكانات, أصر على الاغتراب لمواصلة دراسته في مكة المكرمة, والتحق بحلقات العلوم الشرعية في الحرم المكي عدة سنوات, نهل خلالها العديد من علوم الحديث والتفسير واللغة العربية, وتتلمذ على يد العديد من المشايخ الذين كان يدين بفضلهم طوال حياته وبقي يردد أسماءهم اعترافا بما قدموه له من تأهيل ودعم مساندة.

وفي مطلع العام 1364 عين معلما بمدرسة أبها الابتدائية التي كانت الوحيدة وقتها, وبعد مرور أربع سنوات من تعليمه للطلاب عين قاضياً في محكمة محايل عسير وبقي هناك لمدة تسعة أعوام, وفي العام 1376 نقل قاضياً بمحكمة رجال ألمع حتى العام 1382, إذ صدر قرار يقضي بنقله رئيساً لمحكمة أبها المستعجلة وبقي فيها قاضيا لا يتخذ قراره إلا بعد روية وتأن, وصولة وجولة مع الأطراف المتنازعين, مساهمة منه في رأب الصدع وتقريب وجهات النظر والإصلاح قبل صدور الحكم, وحتى أحيل للتقاعد في عام 1412 نظرا لبلوغه السن القانونية.

يقول قاضي التمييز السابق الشيخ محمد العسكري: "رحل الشيخ هاشم تاركا له من الأثر القيم والسيرة الطيبة والذكر الحميد في قلوب الكثير، حيث أفنى نفسه لخدمة دينه ووطنه متدرجا في مواقع عديدة للقضاء, وتعلمت منه بصفتي أحد طلابه العلم الشرعي".