انتقلت عدوى طالبات مكة من أبواب جامعة أم القرى إلى أكثر من مكان لسبب بسيط: لأننا، ومثلما أشار الزميل العزيز عبدالرحمن الراشد، أمام نمط مختلف من الفتاة السعودية الجديدة. نحن أمام المرأة الجديدة التي هلت من – إجازة – عقلها الطويلة وهي تترك التفكير من أجلها للرجال. نحن أمام المرأة الجديدة التي سئمت أن تعيش عمرها الطويل جداً جداً حد الملل ونحن نحدد لها كل مسارات وخيارات وجداول اليوم الواحد المطبوع لآلاف الأيام في ثمانين سنة من المهد إلى اللحد.

من كان يظن أن المرأة الجديدة ستكسر الأبواب وتهشم الزجاج وتدخل في عراك مع الموظفات المقابلات على المكاتب ثم تسجل هذه الوقائع للنشر على – اليوتيوب –؟ وأنا هنا لا أعيد كتابة جمل الصديق العزيز عبدالرحمن الراشد فحسب، بل أختلف معه في التسمية وهو يطلق لفظ – المتوحشة – على هذا المشهد غير المألوف، ومثلما أشار، في بلد هو الحالة النادرة بين بلدان الكون، لأنه لم يكن يظن من قبل أنه في حاجة لشرطة نسائية. ومن قبل هذه المشاهد، كانت مجرد موظفة أمن واحدة تستطيع السيطرة على نصف طالبات جامعة.

وبالطبع، أنا أشجب الفوضى، مثلما أنا مؤمن أن الجامعة لا يمكن لها أن تستوعب أصحاب النسب المتدنية، ولكن هذه ليست لي اليوم قضية. القضية أننا قتلنا كل مصادر أكسجين الحياة حتى باتت قاعات الجامعة، مهما يكن التخصص، هي طوق النجاة أو حتى مكان تنفيس ونزهة ونسيان هموم لأربع سنوات قادمة من عمر هذه المرأة. آلاف الأسر تؤمن أن الجامعة في أقل الأحوال هي أربع أو خمس سنوات من تأجيل المشكلة أو من الحزن لوجود عاطلة في المنزل. آلاف الخريجات هن تماماً مثل آلاف القادمات إلى مقاعد الدراسة من جديد يعرفن أن أمام هذا الحشد الهائل مجرد وظيفة تلقائية واحدة. ومادام أن الرجل هو وحده من يصنع الحلول فلا حل سوى حلوله القديمة: عشرات الجامعات التي تفتح نصف أبوابها للنساء وللآلاف منهن والطابور كله ينتهي بوظيفة وحيدة. الرجل يكرر هذه الحلول، أو حله الوحيد بالأصح، لأربعين عاماً متصلة ولو تركته المرأة يفكر وحده لكرر هذا الحل أربعين سنة قادمة. النساء وصلن لعنق الزجاجة، وما حصل هذا العام مجرد رأس مشكلة أو بدايات ذيل ولادة لما هو أدهى وأمر.