وصف وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة وفاة وزير الإعلام الأسبق الدكتور محمد عبده يماني بأنها "مصاب جلل"، مكرراً ذلك مرات عديدة أثناء وجوده في المستشفى الألماني حيث تلقى نبأ انتقال روح الفقيد إلى بارئها في العاشرة من مساء الاثنين الماضي، وترحم على الفقيد، وقال "بفقدانه فقدنا علماً من أعلام الأمة"، واصفاً ما به من حزن بأنه "أكبر من الكلام"، وأثنى على جهوده الكبيرة في خدمة السنة النبوية وأعماله الخيرية الجليلة.
وكان المئات من محبي الفقيد من جميع الأعمار والجنسيات والطبقات الاجتماعية قد احتشدوا عند سماع نبأ إصابته بأزمة قلبية ونقله إلى المستشفى الألماني السعودي، حيث قام الطاقم الطبي الذي كان في استقباله بكل جهده لإنقاذه غير أن إرادة الله نفذت.
وقال مقربون من الفقيد إنه لم يكن يشتكي من أي مرض، وإنما كان يعاني من مشاكل السمنة التي أرهقته وسببت له مشاكل في القدرة على الحركة والتنقل بسهولة، على الرغم من إصراره المستمر على العمل والتنقل من مكان إلى آخر مرات عديدة في اليوم الواحد، ومقابلة مسؤولين وذوي حاجات ومتابعته الدقيقة لأعمال دار الإيمان الخيرية لمعالجة السرطان، وهي الجمعية التي يرأس مجلس إدارتها، وكرس لها في سنواته الأخيرة كل جهده ووقته متابعاً حالات المرضى واحتياجاتهم.
وعلى الرغم من المشاكل التي كان يعاني منها الراحل فإنه لم يكن يفوت فرصة الالتقاء بالناس في المجالس والمنتديات وكان مواظباً على حضور اثنينية عبدالمقصود خوجة والمنتديات الأخرى في جدة والتي كان أصحابها يصرون على حضوره لما يتمتع به من مكانة وشعور بالمسؤولية وثقافة إسلامية مميزة. مدير جمعية الإيمان الخيرية فهد السليماني الذي كان على صلة مباشرة بالراحل، تحدث إلى "الوطن" عن المشاريع التي تركها خلفه فيما يتعلق بالجمعية، وقال "إن اجتماعي الأخير بالدكتور يماني كان قبل أسبوع حيث استدعاني إلى مكتبه ليسألني عن مشروع البناء الخاص بالجمعية، وقد أمر (رحمه الله) بتفويضي من المحكمة الشرعية بمتابعة إنشاء المبنى الخاص الذي سيقام على مساحة 5000 متر مربع تبرع بأرضها الدكتور عبدالهادي طاهر". وأضاف: "أبلغني الراحل في هذا الاجتماع بالإسراع في إنهاء إجراءات البناء لأنه متشوق لرؤية المرضى وقد وجدوا مكاناً يلجؤون إليه، وكان يوصي بصفة خاصة بالمرضى غير السعوديين لأنهم - حسب رأيه - قد لا يجدون من يعينهم على العلاج. وكان مقرراً بناء مبنى جمعية الإيمان بارتفاع أحد عشر طابقاً على كامل المساحة وبتكلفة 100 مليون ريال،
لكن الفقيد ربما كان يشعر بدنو أجله فكان يتعجل تنفيذ المشاريع التي يرعاها أو يشرف عليها حين أمر بتشكيل لجنة لمتابعة مرضى السرطان في خليص حين بلغه أنهم بحاجة إلى المساعدة، وقدم للجمعية هناك سيارتين".
وعلمت "الوطن" من مصادر خاصة أن الفقيد كان قد قرر قضاء بقية حياته في مكة المكرمة حيث ولد ونشأ، وقد اشترى أرضا وشرع في بناء منزل عليها لم يكتمل بعد، وقال المصدر إن الفقيد كان يتابع يومياً تقدم البناء ويستعجل إنجازه، لأنه حسبما كان يقول قد غاب عن مكة كثيراً وآن له أن يعود إليها كابن من أبنائها. وقد عاد إلى هناك محمولاً على الأكتاف، ليدفن في تربتها الطاهرة حسب وصيته.
ويصف الدكتور خوجة شخصية الراحل يماني بأنها شخصية إيمانية متفانية ومتواضعة، إلى حد أنه وهو وزير كان هو بنفسه يدفع كرسي والدته في الحرم، ويرفض أن يقوم أحد غيره بخدمتها، ولا أشك بأنه كان يستمد طاقته من هذا الشعور بالرضا من والديه، وطوال حياته كان رجلاً خيراً، وكان بإمكان أي شخص أن يذهب إلى منزله ويطلب منه أن يقضي حاجته، وهو يفعل ذلك من دون تردد، ويشعر بالسرور وهو يقدم ما يستطيع للآخرين.
من جهته، وصف الناشط الاجتماعي محمد سعيد طيب الدكتور يماني بأنه شخص يتسم بالنبل والسماحة ويمتلك قدرة غير عادية على تجاوز أخطاء الآخرين بحقه، وقال: ظلت هذه السمة لصيقة به حتى وهو وزير للإعلام من دون أن ننسى أن اهتمامه وتفانيه في خدمة وطنه ومجتمعه جعله أحد البناة الحقيقيين لجامعة الملك عبدالعزيز، وتستطيع أن تتعرف أكثر على شخصية الفقيد الراحل من خلال كتبه التي تنضح بالدعوة إلى التسامح والمحبة والوفاق الاجتماعي، ومن هنا كانت تنبع قناعاته في جميع المواقف والأفكار التي طرحها، إضافة إلى أن الراحل قد نذر حياته للخدمة العامة في جميع المجالات، وأعطى لوطنه ومحبيه كل ما يملك دون أن يأخذ شيئاً. لقد كان رجلاً نزيهاً ومخلصاً لأفكاره.