في ذكرى حرب تموز(2006) ظهر السيد حسن نصرالله وقد نسي نفسه قليلاً فتحدث باعتباره (رجل دولة) يتحدث باسم الرئاسة اللبنانية فقال: لا مانع من التفاوض مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية، ولتباشر دولة لبنان التنقيب عن البترول والغاز اللذين يمثلان ثروة عظمى لمستقبل الأجيال اللبنانية. حسنا ياسيد حسن، لن أقول كما قال غيري – وهو مُحق – إن كلامك يتضمن اعترافاً بإسرائيل أو أنه لا مانع من الاعتراف من أجل المفاوضات لثروة المستقبل، لكنني سأكرر سؤال جعجع: من الذي فوضك للحديث في هذا الموضوع باسم اللبنانيين؟ أنا أزعم أنني أعرف لكن قبل أن أقول ما أعرف لابد من التوضيح بأن السيد حسن لم ينس صفته الأساسية الحالية طويلاً، فقد استدرك في ذات الخطاب حيث أشار (زعيم المليشيا) إلى أن من يعتدي على منابع النفط والغاز أو على من ينقب عنهما فإن مليشيا السيد حسن وخلاياه سترد عليه، يعني تحقيق الأمن بالإرهاب. كان المفروض لو أن السيد استمر في تقمص شخصية (رجل الدولة) حتى دون أن يفوضه أحد لقال يجب أن يكون هناك أمن لبناني قادر على منع أي جريمة، ومن المفروض أن نكوَن هذا الأمن، وهناك قانون محلي ودولي يمكن اللجوء إليهما في حال أي اعتداء على مقدرات لبنان، لكن الأمن والقانون عدوان لدودان للمليشيات، والسيد وهو معذور عاد بسرعة إلى طبيعته ودوره كـ(زعيم مليشيا) فأشار إلى أسلوب الحزب الإلهي في التصفية والثأر والإرهاب، وهذا هو الشيء الطبيعي الذي لايستغرب من معدنه.
الآن أعود للإجابة على سؤال من فوض السيد للحديث باسم اللبنانيين حكومة وشعباً، وأقول إنه (الخطة والطموح والمستقبل) كلها مجتمعة فوضت السيد. فأما الخطة فسبق أن أعلنها السيد بعظمة لسانه منذ نحو خمس عشرة سنة في خطاب سري مُسجل تسرب للإعلام منذ أشهر؛ أعلن فيه لقيادات الحزب الخطة والآلية لإقامة دولة ولاية الفقيه في لبنان، وأوضح في الخطاب المشار إليه أن المقاومة إحدى الوسائل المرحلية لتحقيق الهدف، وأنها – أي المقاومة – أفضل وسيلة للتضليل من جهة ولكسب التعاطف من جهة أخرى، وهذا ماتحقق فعلاً. طبعاً هناك وسائل أخرى يعرفها اللبنانيون، فهي واضحة في أرضهم وبين ظهرانيهم، لكن تظل المقاومة أبرزها وأهمها، وإسرائيل – قطعاً – تعرف ذلك وتتصرف على أساسه، والسياسيون اللبنانيون الذين يريدون اليوم طرح نزع سلاح حزب الله للحوار الوطني إما أنهم لايعرفون هدف الحزب الأساسي أو أنهم يتجاهلونه في سبيل تحقيق خطوات تكتيكية أو نقاط سياسية معينة، سيما وأن حزب الله دخل مُعترك السياسة لكنه لايستخدم أدواتها وآلياتها كما تفعل الأحزاب الأخرى، فليس لديه مقرات سياسية مفتوحة، ولا ندوات ولا مؤتمرات ولا نقاشات، فعمله السياسي كما هو العسكري في الظلام وتحت الأرض، وسلاح المقاومة المزعومة هو وسيلته الوحيدة لفرض مطالبه وآرائه السياسية، ولهذا فجميع الفعاليات السياسية اللبنانية تتحدث في واد والحزب يعمل في واد آخر.
أما الطموح فإن السيد حسن يشعر أن خطته تسير من نجاح إلى آخر، مما يعني اقتراب تحقيق هدف إقامة دولة ولاية الفقيه في لبنان، وهذه الدولة إذا قامت لن تكفيها الأموال الطاهرة القادمة بانتظام وتزايد من طهران، وإنما تحتاج لأموال النفط والغاز من السواحل اللبنانية، وفي سبيل الحصول على هذه الأموال لتكون جاهزة لحظة قيام الدولة المُنتظرة لا مانع من التفاوض مع العدو والاعتراف به وبدولته لتحديد الحدود البحرية، بل وكرماً غريباً من السيد حسن أعلن أنه وحزبه يقبلون ماتقرره الدولة اللبنانية الحالية، على اعتبار أنها مؤقتة إلى أن تصل دولة الولي الفقيه القادمة.
السيد حسن لم يشر في خطابه الأخير إلى سوريا كما فعل في خطابين سابقين، ولهذا لن أشرح كيف يتضامن المستقبل مع الخطة والطموح، لأن مستقبل الحزب نفسه سيتحدد بمصير نظام البعث في دمشق، وتبقى الإشارة إلى نقطة مهمة جداً هي أن السيد على قناعة تامة بأن ولاية الفقيه خرافة حقيقية، مثله في ذلك مثل ملالي طهران وقم، لكنه يروجها ويتمسك بها، فبدونها يصبح السيد ومليشياه ومن خلفه داعموه في طهران صفرا على الشمال، وهو ماسيتحقق قريباً جداً.