بعد يومين ـ على الأرجح ـ سنستقبل شهرنا المميز ديناً ودنيا؛ رمضان البركة والخيرات. شهر ميزه الله ـ سبحانه وتعالى ـ، ونبيه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ دينياً؛ بما لا يسع أي مسلم أن يجهله. وميزناه نحن بنو البشر دنيوياً؛ بما لا يسع أي عاقل أن يتجاهله. كثير من المعنيين بأمور غيرهم حصروا همهم الكبير ـ وفقهم الله وأعانهم ـ في منع الناس من شهر رمضان الدنيوي.. حتى لا يضيع عليهم شهر رمضان الأخروي. فلا لمشاهدة برامج القنوات التلفزيونية.. ولا للذهاب للأسواق.. ولا لاشتهاء الطعام الرمضاني الخاص.. ولا للرغبة في المشروبات الرمضانية الخاصة.. ولا للزيارات أو التجمعات أو المسامرات.. ولا لهذا.. ولا لذاك.. ـ وقائمة اللاءات تطول ـ.
الحقيقة أن المنع في ظل الإعلانات التي تخترق كلاً من السمع والبصر عن برامج ومسلسلات القنوات الفضائية، وفي ظل المحفزات الكبيرة لكلٍ من الإسراف والتبذير، بالتخفيضات هنا، والعروض هناك، حتى أصبح شهر رمضان سوقاً كبيراً، يصرف فيه الناس من جيوبهم وعيونهم ولعابهم ـ مصانع المطعومات والمشروبات تبيع أكثر من 75% من إنتاجها في رمضان.. والأسر تنفق في شهر رمضان حوالي 10 أضعاف ما تنفقه في أي شهر غيره!! ـ وفي ظل مغريات دعائية مدعومة، وبدائل شبه معدومة، وفي ظل عادات تحكمت في الناس أصبح (المنع ومحاولاته) ضرباً من إضاعة الجهود. وليته يجدي. فالمشاهد والملموس أنه كلما زاد المنع زادت الرغبة؛ والمسموع والمحسوس أن النتائج نتائج طردية وليست كما نتمناها عكسية.
فكرت في فتح باب المناقشة تقنياً مع من أسعد بالمتابعة والتتابع معهم عبر المُحْدَث البديع، الموسوم بـ(تويتر)، والاستعانة بمشاعرهم ـ بعد الله تعالى ـ في هذا المقال. ولم يخب ظني، فالمشاعر اتفقت، ولم تختلف إلا يسيراً. أخ مستتر باسمه أوضح أن شهر رمضان مغر للنفس؛ لتعيش دنياها بحلاوة دينها. أما الأخ بلال فقد بين أن الإغراء الديني في رمضان فرصة ونعمة، وأن الإغراء الدنيوي (أغلبه) فتنة.. الجانب النسائي كان أكثر تفاعلاً؛ الأخت وضحة أكدت على أن شهر رمضان دين ودنيا، وأن لطافة هذا الشعور قد تخفى على بعض من يعيشه. الأخت نوران حملت القنوات، والتنقل (بين) المساجد، وحب العيد مسؤولية عدم وضوح الرؤية ـ بطبيعة الحال هي لا تقصد رؤية هلال شهر رمضان ـ. الأخت وضحة عادت مشكورة لتؤكد أن شهر رمضان يجمع للناس ما يحبون من خيريْ الدنيا والآخرة؛ ففيه تنشيط للمباحات، وتكثيف للعبادات ـ وأضافت ـ أن من تمام جود شهر رمضان أننا نشعر بأننا ضيوفه، لا بأنه ضيفنا. الأخت سارة ذكرت أن شهر رمضان شهر جميل، وأجمل ما فيه روحانيته وسكينته؛ فهو شهر (إنساني) نشتاق لرفقته. الأخت أمل اعتبرت أن شهر رمضان بعمومه مكافأة من عند رب السماء.. وأخيراً ذكر الإخوة حامد وصالح وعبدالرحمن أن رمضان شهر ينبغي أن نجوع فيه، لتتغذى أرواحنا، وإلا سيكون مثله مثل غيره من الشهور.
المغردون الكرام من الفضلاء والفضليات أثرتني تغريداتكم، وجمالها دفعني لأن أتحف غيركم بها، ودفعني أكثر لأختم بذكر أن شهر رمضان الكريم لإنجاحه دينياً لا بد من استثماره (دنيوياً) ولا أقل من أن تتبادل العوائل فيه المأكولات ـ طُعْمَة ـ بين بعضها البعض، ولا أقل كذلك من المسامرات ـ البِشَك ـ النافعة بين الجيران والخلان.. اللهم سلمنا لرمضان، وسلم رمضان لنا، وتسلمه منا متقبلا.