مهما تحدثنا عن شبكة الإنترنت وما تجلبه لنا من منافع لا حصر لها إلا أننا لا نستطيع أن نغفل ما يتخللها من سلبيات ومحاذير. الإنترنت اليوم موجود بيننا.. ضيف دخل بيوتنا برغبتنا.. تعودنا عليه ولم يصبح بإمكاننا التخلص منه أو من أدواته التي دخلت حياتنا عنوة. اليوم اكتشفنا أن هذه الشبكة عبارة عن كم هائل من العوالم التي أصابت بالإدمان الكثير منا. لا أريد التحدث عن الإيجابيات لأن كل مستخدم ملم بهذه الجوانب. حديثي هنا عن جانب مظلم للإنترنت فتح أبوابا يصعب غلقها. إنه "الإعلام الجديد" الذي قلب موازين الأمور حتى بات هذا النوع من الإعلام يمارس دورا تحريضيا للتغيير الذي لا يسير بمحاذاة دور الإنسان في تعمير هذا الكون لا تدميره.
وسائل "الإعلام الجديد" (مثل البريد الإلكتروني، والدردشة، والفيس بوك، وتويتر وغيرها) تستمد جاذبيتها من "المحتوى الشخصي" الموجود على مواقع شبكة الإنترنت، والتابع في الغالب لأفراد من دول وبلدان مختلفة حققوا شهرة واسعة خلال فترة قصيرة بفضل ما يحملونه من أفكار تختلف عما هو سائد وناتج من الإعلام التقليدي. جاء "الإعلام الجديد" وقلب الطاولة على نظيره التقليدي، وأتى بمحتوى جاذب اختلطت فيه الأطياف والمشارب والتجارب، وأخرج كل التناقضات التي نحملها في جوفنا إلى الخارج، وكل ذلك بعيدا عن أعين الرقيب الحكومي. وضع الإعلام التقليدي اليوم هو كمن أصيب بوعكة ألزمته الفراش، واحتل محله الإعلام الجديد ليوفر خبرا ومحتوى سريعا لا يخضع لأي معايير.
اليوم، للأسف، نرى الإعلام الجديد وهو يسهم وبشكل مباشر في تغذية رغبات وتطلعات وأجندات أفراد لا نعلم من وراءهم ويساعد هذا النوع من الإعلام في احتدام النقاش وتأجيج نقاط الخلاف والتهجّم وحتى التعدي على الآخرين. خطورة "الإعلام الجديد" تكمن في قدراته التفاعلية التي تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي لملايين البشر حول العالم تسانده في ذلك أدواته التي تساعد على التواصل بين كل مستخدمي الإنترنت تقريبا. واقع الحال يقول بأن هذا "الإعلام الجديد" قد سحب البساط من أيدي الكثير من الحكومات، وأثبت قدرته على صناعة الأحداث والتعبير عما يدور في النفس بعيدا عن تدخل الحكومات في عملية لاشك أن لها الكثير من الإيجابيات في توصيل الرأي لكنها، في الوقت نفسه، خلقت الفوضى والتشويش على أفكار ومخططات وأحلام المجتمعات التي تنشد التنمية والرقي بنفسها.
ما دفعني للكتابة عن "الإعلام الجديد" بريد إلكتروني تلقيته من زميل كان قد مرره إليه أحد زملائه. رغبت أنا أيضا في تمريره لولا أنني فضلت التريث لأتابع حقيقة وصحة ومصداقية هذا البريد من خلال الوصلات والروابط التي تضمنها. الحقيقة هالني ما رأيت من استغلال المنظمات الغربية لسذاجة البعض من مستخدمي الإنترنت وشبكات التواصل الإعلامي والاجتماعي، وسقوط أعداد من شباب الأمة في أحضان منظمات ليس لها من وظيفة إلا التدخل السافر في شؤون الشعوب من خلال المتحمسين لقضايا يابسة وشائكة لا يمكن أن تحلها الحكومات بين ليلة وضحاها. ليس هذا فقط، أحد الروابط أخذني إلى منظمة غربية تعرف نفسها بأنها منظمة غير هادفة للربح تكرس جهودها لمساعدة الناشطين لبناء قدراتهم وبذل مزيد من التأثير على العالم. كيف تفعل هذه المنظمة ذلك؟ تجيب على صفحاتها بأنها تقوم بالتعرف على الناشطين الرقميين (مستخدمي شبكة الإنترنت) إضافة إلى رصد كافة التطورات التي تحدث في النشاط الرقمي (مثل المدونات الفيس بوك وتويتر)، ويقومون بتعريف هؤلاء الناشطين ببعضهم البعض لتبادل الخبرات والنصائح وحتى عقد الاجتماعات والمؤتمرات ليلتقوا ببعضهم البعض لمناقشة قضايا بلدانهم وتوفير الموارد اللازمة والتدريب والإرشاد وتسهيل الاجتماعات وجها لوجه بين أعضاء شبكتهم المتواجدين في وسائل الإعلام الاجتماعية. أحدث التفاعلات الموجودة في هذا الموقع يشير إلى خبر في صحيفة الجارديان البريطانية يقول بوجود احتجاجات في شوارع عاصمة ماليزيا، كوالالمبور، تعد ماليزيا للديموقراطية "على غرار الربيع العربي".
اليوم أرى أننا يجب أن نأخذ شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر، وفيس بوك وغيرهما على محمل من الجد من خلال رصد الإيجابيات والسلبيات المتوقعة على أبنائنا بهدف الوصول إلى قرارات لا تشمل إعلامنا الحكومي بل تتعداه لدراسة المجالات التي يمكن فيها احتواء مثل هذه الظواهر الجديدة التي ينغمس فيها شبابنا. إن أي عاقل يعلم أن لكل فرد منا آراء وأفكارا وميولا ودوافع واستعدادات وقدرات محددة تختلف عن الآخرين. قد يكون مجمل هذه الأمور غير يقظة وفي حالة ركود، لكنها تظل موجودة بانتظار مغرض أو مخرب خارجي يوقظها.
مشكلتنا مع الإعلام الجديد أنه يتلقف وبكل رحابة صدر كل الأفكار أيا كانت، وبالتأكيد هناك من المنظمات الأجنبية من يتلقفها ويصنفها لغايات تهمهم. ولأننا في عالم اهتزت فيه القيم والمبادئ فإنني أرى أن ما تحتويه شبكات التواصل الاجتماعي من أمور قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء. نحن نعيش اليوم تحولات مهولة فيما يصل إلينا من معلومات وبالأخص من زيادة هائلة في جرعات المعرفة لدرجة أنها أثرت في طرق تحليلنا وتفسيرنا وتنظيمنا لما يدور من حولنا من أمور. الحل، في نظري، لا يكمن طبعا في مزيد من التشديد على مستخدمي الشبكة بقدر ما يكون في صنع فضاء إلكتروني يمثل بالفعل قيم هذه الأمة ويقارع غيرها بالحجة والبرهان.