في كل عام، وفي مثل هذه الأيام قبل حلول شهر رمضان المبارك تُثار قضية ارتفاع الأسعار وعلى وجه الخصوص السلع الاستهلاكية وتساند هذه الإثارة الصحافة السعودية، وهي مرآة الوضع الاقتصادي كما هو الاجتماعي والسياسي والثقافي وذلك حرصاً منها على المصلحة العامة للمستهلك. وللحقيقة أن للموضوع وجهات نظر متعددة سواء من جانب التجار المتهمين أو المستهلكين المُدعي. وفي غياب الدور الفاعل للجهات الرسمية والمقيم والمحلل لوضع الأسعار العالمية وانعكاسها على السوق المحلي فإن التهم قائمة كل عام، والواقع يؤكد معاناة المستهلكين من ارتفاع الأسعار سواء طوال العام أو في المواسم مثل شهر رمضان الكريم، ورغم صدور القرار الحكومي بإنشاء جمعية حماية المستهلك التي ولدت لأن تنشغل بنفسها والصراعات بداخلها وأضاعت أكثر من عام تقريباً من عمرها في مشاكلها الداخلية عوضاً عن العمل لتحقيق أهدافها وحماية المستهلكين الذين أنشئت الجمعية من أجلهم، وفي غياب المركز الوطني لمراقبة الأسعار والأجور والخدمات والذي يهدف إلى حماية المستهلك وصون حقوقه من الممارسات غير المشروعة التي تؤدي إلى الإضرار به ويمنع كل عمل يخالف قواعد استيراد أو إنتاج أو تسويق السلع أو ينتقص من منافعها أو يؤدي إلى تضليل المستهلك. وحماية المستهلك من الارتفاع المفاجئ لأسعار السلع والخدمات والأجور وتفعيل الإجراءات النظامية الرامية لحماية المستهلك على المستوى العملي والتطبيقي وضمان وصول وجهات نظر المستهلكين إلى الجهات الرسمية ذات العلاقة وتبليغها بالممارسات الضارة بمصالحهم وطلب التدخل لوقف تلك الممارسات عند الاقتضاء.

إن قضية ارتفاع الأسعار المبررة وغير المبررة هي قضية وطنية مطروحة للنقاش ليس فقط على مستوى السلع الاستهلاكية وإنما على جميع الخدمات والسلع غير الاستهلاكية بما فيها أسعار الإيجارات وبيع الأراضي، ورغم أن هناك فئة أخرى من المجتمع تطالب بحرية التجارة وترك الأسعار للسوق وترفض تدخل الدولة في التسعير وتستند إلى الحديث النبوي "دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقِ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْض"، ورغم احترامي وتقديري للرأي الآخر، وحيث إنني أحد رجال الأعمال المستثمرين في مجالات التجارة والصناعة والخدمات وأحد أعضاء مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة، ورغم أن البعض يعتقد بأنني سأنضم إلى المدافعين عن التجار الذين يساهمون في رفع الأسعار دون مبرر إلا أنني سبق أن أكدت وأكرر اليوم وكل يوم بأنني مواطن ومستهلك قبل أن أكون رجل أعمال حريصا كل الحرص على مصلحة المستهلكين قبل مصلحة التجار ورجال الأعمال. مؤكدا أن ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وغير الاستهلاكية قد يكون مقبولا إذا كانت الزيادة في نسبة 5% إلى 7% أما إذا كانت أعلى بمضاعفات مثل ارتفاع بعضها بنسبة 50% فهو أمر مرفوض وعلى وزارة التجارة والصناعة التدخل الفوري لإعادة الأسعار إلى وضعها الطبيعي وبزيادة معقولة، ولن تقبل الأعذار بارتفاع الأسعار بهذه النسبة من الخارج. أما بالنسبة إلى المصانع الوطنية فلن يقبل منها الارتفاع المتضاعف، وهي التي قد استفادت من القروض الصناعية والأراضي الحكومية والإعفاءات الجمركية وغيرها من أنواع الدعم. ولن يقبل تكتل المصانع التي تنتج السلع المتشابهة.

إن فوضى ارتفاع الأسعار في الأسواق السعودية هي ليست حديثة وليست مقصورة على السلع الاستهلاكية، فأزمات ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت، والشعير والأرز، والدجاج واللحوم والألبان والأعلاف وغيرها. أما فوضى أسعار الإيجارات والأراضي والخدمات فتحتاج جميعها إلى سرعة اتخاذ الدولة قرارا بإنشاء المركز الوطني لمراقبة الأسعار والأجور والخدمات شريطة أن يتم دعمه بميزانية مناسبة لتحقيق أهدافه وأنشطته ليستطيع أن يقوم بحماية المستهلك إذا كان المستهلك يمثل أهمية عند واضعي الميزانيات. وفي وجهة نظري أن المستهلك هو الأهم وعلى وجه الخصوص المستهلكون من ذوي الدخل المحدود والفقراء. وأتمنى أن لا يولد المركز الوطني لمراقبة الأسعار ضعيفاً مثل ولادة الجمعية الوطنية لحماية المستهلك، التي ترك أمر تمويلها إلى الغرف التجارية التي رفضت تمويل ميزانيتها بحجة صعوبة تمويل ميزانية جمعية تراقب عمل منتسبيها حتى وإن كان القرار من مجلس الوزراء. أما فيما يتعلق بالمستهلكين فإنني أجزم بأن المستهلك في بلادنا حسن النية ومغلوب على أمره ويتصف بالمسالمة، وهو بهذا يضيع حقوقه رغم أنه عند قراءتي لمسودة مشروع نظام حماية المستهلك في الباب الثاني (حقوق المستهلك) وجدت أن للمستهلك حقوقا عديدة منها الحق في رفع الدعاوى القضائية عن كل ما من شأنه الإخلال بحقوقه والإضرار بها أو تقييدها. وله الحق في الحصول على تعويض كامل لحق الأضرار التي تلحق بأمواله من جراء استهلاك سلعة أو الانتفاع بخدمة غير مطابقة للمواصفات أو المعايير المعتادة.

وله الحق في الاعتراض على زيادة الأجور للعقارات المعدة للسكن أو التجارة إذا زادت عن 5%، وله الحق في الاعتراض على زيادة أسعار السلع أو أجور الخدمات إذا زادت عن 5%.

وله الحق في استبدال السلعة وإعادتها واسترداد قيمتها وكذلك استرداد المبالغ التي يكون قد سددها لقاء خدمة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ شراء السلعة أو تقديم الخدمة، وذلك إذا شاب السلعة عيب أو كانت غير مطابقة للمواصفات المتفق عليها أو المعمول بها، وللمستهلك الحق في المشاركة والمساهمة في المؤسسات والمجالس الوطنية واللجان المرتبط عملها بحماية المستهلك، وفي غياب المستهلك عن ممارسة حقوقه سيستمر الآخرون في الإجحاف بحقه.

وكم كنت أتمنى أن تقوم لجنة المستشارين القانونيين بتشكيل لجنة تخصصية للعمل التطوعي لخدمة بعض القضايا منها قضايا حماية المستهلكين وقضايا حماية ذوي الاحتياجات الخاصة وحماية حقوق المرأة والطفل والأسرة.

وأخيراً هي رسالة إلى زملائي من التجار المستوردين والموزعين وإلى المصانع الوطنية بضرورة العمل بالحفاظ على مستوى الأسعار للسلع الاستهلاكية وغيرها، وعدم الاستغلال للظروف وذلك للمحافظة على سمعة تجار بلادنا. وهو أمر وواجب يفرضه علينا ديننا السمح وقيمنا ومبادئنا. وبمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك أتمنى أن يحظى فقراء بلادنا الذين نعرف مواقعهم ونجهل حاجتهم الماسة في جميع أنحاء المملكة بما يحظى به فقراء الدول الإسلامية المجاورة من تبرعات الحكومة السعودية، والأقربون أولى بالمعروف ولا يمنع ذلك من إعانة المسلمين في جميع أنحاء العالم.