جزء من المشكلة بين الشرق والغرب في سيطرة التاريخ عليهما. غزوات المسلمين من جهة، والحملات الصليبية من قبل المسيحيين من جهةٍ أخرى. الذاكرة بين الشرق والغرب ليست على ما يرام. إنها ذاكرة مشبعة بتاريخ سيئ. الحروب الطاحنة التي حملها التاريخ كان يمكن أن تطمس، لولا أن تلك الحروب كانت دينيةً تطمح إلى التمدد والاحتلال. لم ينس المسلمون مثلاً معركة بلاط الشهداء، أو إنهاء حكم المسلمين ووجودهم في الأندلس. العلاقة بين الشرق والغرب كانت علاقة تمدد وإلغاء. إنهاء هذا الصراع بات ضرورةً. البابا السابق يوحنا بولس الثاني كان يغازل المسلمين باعتذاراتٍ ممكنة عن بعض المجازر التي ارتكبت ضدهم، كما أن بعض المؤرخين المسلمين يتحدثون بوضوح عن أخطاء بعض المسلمين في بعض حروبهم تجاه بعض المسيحيين!
حادثة النرويج الأخيرة تعيد إلى الذهن النفي المتبادل بين الشرق والغرب، بين الإسلام والمسيحية، بين الملونين والسود وبين البيض. كله اجترار واستدعاء للتاريخ، ولأحداث عفى عليها الزمن. آن أوان طمسها وطمرها ونسيانها، فالذي يمكن بناؤه بالتسامح والحب أكثر بأضعاف مما يمكن بناؤه بالكره والحرب. أن يُهلك أحد المتطرفين المسيحيين أرواح البشر من أجل فكرته الاجتهادية يعني أن هناك خللاً في الفكر، ليس لدى المسلمين فقط بل لدى معظم الرموز الدينية في كل الأديان، تلك الرموز التي لم تقم بواجبها تجاه التطرف. إن العلاج الموقّت لحالات التطرف وقضايا العنف لن يكون نافعاً ما لم يتحمل الدعاة والمرجعيات الدينية في الديانتين واجبهم في تهدئة النفوس، والبحث عن المشتركات قبل أن يكون التكريس في البحث لصالح مواضع الاختلاف فقط.
حادثة النرويج تعلمنا أن التطرف واحد، وأنه لا دين له، وأن المتطرف المسلم أو المسيحي يمكن أن يعيث بالأرض فساداً إذا لم يتطهر من إرث التاريخ المزعج. لكل عصر تاريخه، والتاريخ الذي مضى يمكن أن يقرأ لكن لا يجب أن يشحن النفوس!
قال أبو عبدالله غفر الله له: حتى كتب التاريخ التي تُعلم للأبناء في أي مكانٍ في العالم من المفترض أن تبتعد عن الأحداث التي توغر الصدور وتؤجج الحقد، بل إن في دراسة التاريخ عبرة وعظة عظيمة قبل أن يكون بها إرث على طريقة القبائل الهمجية.
لننس التاريخ الدموي، ولنفتح صفحات تسامح جديدة، فالتسامح والحوار بين الأديان ضرورة لا ترف، وحادث النرويج دق ناقوس الخطر الكبير!