في الوقت الذي يفترض أن يكون فيه الأخ ملاذا لأخواته الإناث، وصدرا حنونا لشكواهن، أو عمادا للحفاظ على حقوقهن الحياتية، يمارس البعض من الإخوة الذكور العنف النفسي ضد أخواته الإناث بحجة المسؤولية والدراية بالمصلحة، وتوكيل الوالدين له للعناية بشؤونهن، فكثيرة هي القصص المتعلقة بالعنف وحرمان فتيات من أبسط حقوقهن في الحياة كالزواج أو العمل أو امتلاك الراتب، ويكون أبطال تلك القصص هم الإخوة الذكور، على عكس ما يعتقد البعض بأن الأب هو المتهم الأول في حرمان بعض الفتيات من حقوقهن أو تزويجهن بشكل غير مناسب لأعمارهن أو عضلهن وتجاهل احتياجاتهن المادية والمعنوية.

في شرق منطقة عسير وتحديدا في محافظة أحد رفيدة حكت الشابة "و. م" قصتها مع عنف إخوتها الذكور ضدها وضد أخواتها الإناث قائلة: "لدي من الإخوة 8 منهم 5 ذكور و3 إناث، ونعيش بمنزل واحد، ووالدي متوفي، إلا أن إخوتي الذكور يمارسون شتى أنواع الظلم ضدنا، بدءا من حرماننا من حقنا في الميراث، واقتسام نصيبنا بينهم وبين الوالدة التي كانت طرفا في هذا الظلم، بدعوى إنها وهم أدرى بمصالحنا".

وأضافت: "طال الظلم أختي الكبيرة والتي تجاوزت الـ32 عاما ولم تتزوج، لأن إخوتي لهم مواصفات غير واقعية للخاطب بحسب ما يتذرعون به إلا أن هدفهم الاستفادة من مرتبها كمعلمة لأطول فترة ممكنة، ثم تحول الظلم لنا نحن الأصغر سنا إذ تم منعنا من الزواج بحجة أن الكبيرة لم تتزوج بعد".

وتابعت أختها "هـ. م" قائلة: "كان الوالد أحن بكثير من إخواني لكنه توفي، ومع أنه وصى والدتي بنا نحن الإناث كثيرا، إلا أن والدتي ساهمت في ظلمنا برضاها عن سيطرة إخواني علينا".

وأضافت: أن البعض يعتقد أن العنف يقتصر على الضرب وخلافه إلا أن ما نعيشه من حرمان لأبسط حقوقنا في الحياة، أشد وطأة من العنف الجسدي، وبلا شك أن المجتمع يحول دون رغباتنا في الشكوى الرسمية، إذ لا نملك أدلة ملموسة على هذا الظلم فسنكتفي بالشكوى لله.

من جانبها قالت عزة الشهري وهي متزوجة وأم: إنها مازالت تتذكر منذ صغرها كيف كان والداها يوكلان كل المهام المتعلقة بالمسؤولية لإخوتها الذكور، على الرغم من أنهم أصغر سنا من الإناث، ويولونهم مسألة الرقابة عليهن خفية، وهذا ما نمى فيهم الشعور بأحقية السيطرة ـ كما تقول ـ من باب المسؤولية التي أوكلها الوالدان لهم.

وبينت روان عبدالغني وهي فتاة غير متزوجة أن والدها أوكل كل المسؤولية لأخيها الأكبر، ولا يتدخل في كل قراراته، حتى وإن كانت خاطئة، لأنه الذكر الوحيد بين ثلاث فتيات. ملفتة إلى أنه استغل هذه الثقة بمنعهن من الدراسة والعمل، كما زوج أختها الصغيرة لصديقه دون موافقتها.

وقالت روان: إن "الثقة التي يمنحها الآباء للذكور بحجة درايتهم بمسؤولية البنات هي التي تجعل البعض منهم يستغلها أسوأ استغلال للسيطرة وفرد العضلات، والظهور أمام الناس بمظهر المسؤول والمتحكم في شؤوننا".

من جانبه أوضح مدير إدارة التوجيه والإرشاد بإدارة التربية والتعليم في محايل عبدالعلام عرار الفلقي لـ"الوطن" أن علاقة الأخ الأكبر بأخواته تشكل بعدا مهما في النسق الاجتماعي، فقد يغفل البعض هذا الجانب، مع أن بعض الإخوة قد يكون مدمرا لحياة المرأة بجبروته وتعنته وبعده عن الله، لاسيما حين يصبح المسؤول الأول في الأسرة بعد وفاة الأب، فنجد أن بعض الإخوة يسترجع إحساسه القديم أثناء الطفولة برجولته بين إناث لا حول لهن ولا قوة، فيشيب على ما شب عليه من غرور وتعنت، فيكون وبالا على أولئك الأخوات اللائي يلدن بكنفه مرغمات حتى يخرج الله عليهن الزوج والأسرة.

وأضاف الفلقي: "يوجد العديد من السلوكيات الملحوظة من الإخوة الذكور، ونسمع عنها كثيرا تجاه الإناث، فمنهم من يصر على تزويج أخته من ثري بغض النظر عن أخلاقه ودينه، ومنهم من يستنزف أموال أخته الموظفة لقضاء مآربه الشخصية، فإن أبت ودافعت عن حقها منعها من العمل، وضيّق عليها في المصاريف، ويمارس البعض الدور الذكوري التسلطي في ميراث الفتيات، حيث تخوله الثقة والتوكيل في التصرف بأموالهن، وحين تتوجه الفتيات لأولي القربى يعزفون عن التدخل، بحكم خصوصية العلاقة بين الأخ وأخته والتي يصعب الاقتراب منها، ونصح الفلقي بضرورة تغير هذا الوضع، وعدم صمت الفتيات على ظلم الإخوة، حتى وإن وصل لجهات رسمية.

وقال استشاري الطب النفسي الإكلينيكي وليد الزهراني "عندما نريد أن نربي ونثقف كلا من الولد والبنت نربيهما على أساس أن كلا من الرجل والمرأة يكمل أحدهما الآخر، فأنوثة المرأة إنما هي بعاطفتها، وحنانها، ورقتها. كما أن رجولة الرجل إنما هي بإرادته وصلابته وقدرته على مواجهة الأحداث، فالرجل يعاني من نقص في العاطفة، والحنان، والرقة، والمرأة ـ التي تمتلك فائضا من ذلك ـ هي التي تعطيه العاطفة، والحنان، والرقة، ولهذا كانت الزوجة سكنا.

والمرأة تعاني من نقص في الإرادة، والحزم، والصلابة، والرجل ـ الذي يمتلك فائضا من ذلك ـ هو الذي يمنحها الإرادة، والحزم، والصلابة. ولهذا كان الزوج قيّماً على الزوجة كما يقول تبارك وتعالى: "الرجال قوَّامون على النساء".

وأضاف الدكتور الزهراني: أن "هناك طرقا يمكن انتهاجها لمساعدة الزوجات والأطفال الذين تعرضوا للعنف الأسري، والخطوة الأولى تكمن في دراسة وجمع ما أمكن من معلومات حول ديناميكية أسرهم ثم توفير أماكن آمنة للنساء والأطفال يمكنهم الذهاب إليها للشعور بالأمان، ولو لوقت يسير، ويمكن متابعتهم هناك من قبل المختصين، والعمل على تعليم النساء والأطفال على تطوير خطط للأمان لهم داخل المنزل وخارج المنزل والتعاون مع الجهات المختصة برعاية الأسر والأطفال لإيجاد حلول تتوافق مع كل أسرة على حدة.