هذا صدر بيت من قصيدة طويلة للبرعي، يرحمه الله، عجزه "وهلْ ذهبٌ صرفٌ يساويهِ بهرجُ". فصدر البيت وعجزه يحكيان قصة التردي في مخرجات التعليم في البلاد العربية بعمومها، وإن تفاوت مستوى التدني من بلاد إلى أخرى. لسنا نبالغ، ففي ما يلي اقتباس من صفحة البنك الدولي على الإنترنت، يصف حال التعليم في البلاد العربية وكفاءة مخرجاته، ويشير كذلك إلى بعض من عواقبه.
"تمكنت معظم بلدان العالم العربي من تطبيق إصلاحات طموحة في قطاع التعليم، بتوفير فرص التعليم للجميع تقريبا؛ والتحاق الفتيات بالدراسة، وتوفير التمويل لبناء قاعات للدراسة، وتدريب المعلمين، وطباعة الكتب المدرسية. غير أن التساؤلات مازالت عالقة حول جودة التعليم: فالطلاب العرب يتخرجون كل عام بأعداد كبيرة، لكنهم غير مسلحين بالمهارات اللازمة للمنافسة في سوق العمل مقارنة بما عليه الحال في مناطق أخرى من العالم. ومما يزيد هذا التحدي إلحاحا، النمو الكبير في أعداد الشباب حيث من المتوقع أن يتجاوز عددهم المليونين عام 2015 وعشرة ملايين بحلول عام 2030؛ فتحسين نتائج العملية التعليمية يتطلب وقتا طويلا. فإذا تحرك العالم العربي الآن وبسرعة؛ ستتاح فرصة لتخريج جيل جديد من المواطنين المؤهلين والقادرين على المشاركة في بناء مجتمعهم".
لن ينكر أحد ما تبذله بعض الحكومات العربية من جهد وتنفقه من أموال للارتقاء بمستوى التعليم ومخرجاته، وبلادنا واحدة في رأس القائمة، أنفقت المليارات، واستعانت بالخبرات العالمية، وتعاقدت مع أرقى مؤسسات التخطيط التربوية والأكاديمية في العالم، وفعلت كذلك دول أخرى في المنطقة، وبشكل بارز، من دول الخليج. لكن ورغم ذلك كله، يأتي رأي البنك الدولي صفعة للجهود المبذولة والأموال التي تنفق بلا حساب، فأين الخلل؟
لم نأخذ برأي البنك الدولي وحده في الحكم على مستوى التعليم في بلادنا، لكن من تجاربنا ولقاءاتنا في المنتديات مع الطلبة والأكاديميين من دول مختلفة، وفي المؤتمرات وغيرها، وليس الحكم على الجميع، ولكن على نسبة كبيرة.
وفي جامعاتنا نشهد ذلك واضحاً أثناء النقاش مع الطلاب ومن خلال الدروس والمحاضرات، وتتوجه نتائج الامتحانات، ثم في كفاءة الخريج لاحقا عندما يخرج للمنافسة في سوق العمل. أعرف من طلبتي من تخرج وتنافست عليه مؤسسات لها سمعة، مثل أرامكو وسابك، وأعرف كذلك آخرين، وهم السواد، تخرجوا وتورمت أقدامهم سعيا وراء عمل... أي عمل، ولو لم يكن فيما تعلمه من دراسته الجامعية، وربما انتهى به المطاف محاسبا في بنك أو موظف استقبال في أحد الفنادق، إذا لم يكن، فقط، لتحقيق نصاب السعودة.
الخلل في جذور وأساسات البنية التعليمية. فمنذ الصغر وفي القرن الحادي والعشرين، نحن ما زلنا نلقن أبناءنا الدروس، ونلزمهم حفظ المواد، لا يهمنا في ذلك أن يعوها ويستوعبوها، وهذه اختبارات القدرات والتحصيل وغيرها تنبئك الخبر. طلاب وطالبات يتخرجون من الثانوية العامة بمعدل يقترب من الكمال، ثم لا يمكن لهم تحصيل أكثر من سبعين في المئة في اختبارات المستويات. ليس الذنب ذنب الطالب، فقد حفظ ما علمناه وردد ما لقناه، بكل جد ونجاح، وحقق أعلى النسب في امتحانات الثانوية العامة. فلماذا نطالب التلميذ بأن يكون غير الذي صنعناه. وكيف نطلب منه أن يفكر، وقد تعلم أن يردد، ونشأ على خط أعوج، فأنى يستقيم ظله.
وفي الجامعات، لما تعذر علينا تحصيل الذهب أدرنا وجهنا تلقاء بهرج، وسلكنا دربا قصيرا؛ للوصول إلى هدف زائف، وكي نلحق بركاب الاعتماد الأكاديمي. بنينا الشبكات بمئات الملايين، وجهزنا المعامل والمكتبات في انتظار الوفود. لن تجد، إن بحثت، ما يكفي من الاستعداد للتعامل مع خريج الثانوية العامة، كما هو، لا كما نريده أن يكون، ولا بخلاف ما رسمناه. لن تجد برامج متخصصة لإصلاح عوجه. حتى في جامعة الملك عبدالعزيز التي تبنت سنة التأهيل لم يتغير الحال إلا قليلا.
كي نلحق بركب الأوائل يجب أن نسعى لبناء مجتمع معرفي، وذلك لا يتأتى إلا بتهيئة الأسباب، وتوفير المناخ. نحن نشكو من عزوف الشباب عن القراءة، لكن أين المكتبات؟ في قرية زرتها بكندا سبع مكتبات عامة، وسكانها لا يتجاوزون 150 ألفا، وانظر إلى جدة، وفيها الملايين؟ ترددنا على واحدة منها ونحن هناك، مرات عدة، وبقينا في كل مرة فيها لساعات طويلة. لم تكن في الأصل من برامج رحلتنا، ولم نرغم أحدا على المشاركة، لكنها رغبة الصغار الذين وجدوا في المكتبة كل ما يشتهون، ووجدنا نحن الكبار ما يمتعنا.
نتهم شبابنا بالخمول والكسل، وننسى نصيبهم من الأندية الرياضية والثقافية والأنشطة الأخرى والمخيمات التي تحتويهم، وتدربهم على العمل الجماعي والمشاركة.