لطالما تفاخرت الدكتاتوريات العربية بأنها أنظمة ديمقراطية وقامت بأداء مسرحيات انتخابية يفوز فيها الحزب الواحد بمعظم المقاعد البرلمانية، وتمنح بقية المقاعد للعرقيات والطوائف والأحزاب الصورية الأخرى القانعة بما يصلها من فتات. وبالإضافة إلى لعبة البرلمان هناك لعبة ديمقراطية أخرى لا نعرف من ابتدعها، لكنها طُبّقت على مستوى بعض الأنظمة العربية بامتياز وهي الاستفتاء على رئيس الجمهورية، إذ يطرح الحزب الواحد على البرلمان مرشحَه للرئاسة وهو الجالس على كرسي الرئاسة، ويوافق البرلمان على المرشح، ثم يأتي دور كل مواطن ليقول "نعم" أو "لا".. ويندر أن يجرؤ أحد على قول "لا"، وتكون نتيجة الاستفتاء عادة نجاحا ساحقا بنسبة 99.99%، لكن الأنظمة تنبهت لاحقا بعد الانفتاح على العالم فخفضت من النسبة قليلا، وكأنها في حركة مفضوحة تريد أن تقول للعالم إن هناك أصواتا معارضة لا تشكل قدرا يستحق الالتفات إليه بالمقارنة مع من يريدون بقاء الرئيس.

ويمكن أن نعرّف "الاستفتاء" طبقا لمفهوم تلك الأنظمة بأن الشعب عليه أن يختار رئيسا في عملية ديمقراطية من بين عدد من المرشحين قدرهم "واحد". لنصل إلى أن ما كان يحدث من حالات هزيلة تتسلى بها الأنظمة لتوهم الشعب بأنه يمارس الديمقراطية ليست إلا مخادعة تنبهت لها الشعوب لاحقا. وبرغم أن بعضها استطاع أن يجبر هذا الرئيس أو ذاك على القبول بمرشحين آخرين إلا أن الفائز دائما هو الرئيس نفسه.

وباعتبار أن المال من عوامل القوة والاستمرارية، كان لا بد من التفكير بجمع أكبر قدر منه، فدخل أقارب الرئيس وأقارب زوجته إلى عالم رجال الأعمال في أزمنة قياسية، وتضخمت الثروات بصورة خيالية نتيجة احتكار التراخيص والوكالات الحصرية والتجارة والمشروعات الكبيرة بالدولة، الأمر الذي أدى إلى مزيد من احتقان الشعوب، وما كادت الشرارة تندلع حتى اشتعلت النار في كل بلد تراكمت فيه الأخطاء.

"الربيع العربي" الذي انتعشت به شعوبٌ عانت القهر عقوداً، يؤكد أنها قابلة للتحول الديمقراطي الفعلي بدليل أن "تداول السلطة" يأتي كواحد من أهم المطالب المطروحة بالإضافة إلى عدم وجود حزب حاكم يستأثر بالسلطة. ولأن تحقيق ذلك يضر بالنخب المستبدة الحاكمة، فقد كشرت الأنظمة عن أنيابها عبر ردود أفعال قاسية على الشعوب، وتباين ردود الأفعال لا يخرجها من "باب القمع" الذي أتقنته الأجهزة الأمنية حتى بات المواطنون يعيشون في خوف دائم من بطش أنظمةٍ ساهمت في تجويعهم حتى صار جلّهم لا يفكرون إلا بتأمين لقمة عيشهم.. لكنهم استيقظوا لحظة الشعور باقتراب الخلاص.. وما زال للحديث بقية.