بناء خزانة للذخيرة المعرفية في عشر سنين تضم 500 كتاب في المتوسط، إنها مهمة ليست بالسهلة ولكنها ليست مستحيلة.

كل رجل أحبه وأهتم به أنصحه بدون كلل وملل أن أهم شيء في المنزل هو الركن المعرفي، وهو أهم من المطبخ وغرفة النوم والقعدة والتلفزيون، وعفوا ليس لأن تلك غير مهمة بل هي ألوان الأهمية، وفي القرآن مع عظم مقام الرسل قال الله عنهم (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض)، كما فضل المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما.

ومعنى هذا الكلام أن نهتم في تأسيس عائلاتنا وبيوتنا بأن تكون هناك خزانة معرفية نجمع فيها على مهل وفي مدى عدة سنوات حوالي خمسمئة إلى خمسة آلاف كتاب من ذخائر الفكر الإنساني، ويمكن ومن خلال هذا المقال أن اختصر المهمة للناس أو هكذا أزعم من خلال خبرتي التي امتدت نصف قرن.

وحاليا قمت بمشروع جيد في محاولة ضغط هذه الخزانة إلى بضع مئات، وهناك من يرى أن (الآي باد IPAD) أي الدفتر الإلكتروني يغني، وأنا أميل إلى الكتاب الورقي العادي، فهو نعم الصديق تقلبه وتشخط عليه كما تحب أو تضع الألوان الفوسفورية وما شابه.

والمهم في هذه الخزانة المعرفية أن تحوي زبدة المعارف والمصادر سواء أكانت في التفسير والحديث، أو كتب الفقه وأصول الفقه من التراث، جنبا إلى جنب مع كتب الفلسفة والتاريخ والاقتصاد وعلم الفلك وتاريخ الإنسان علم الإنثروبولوجيا والسير والشخصيات في التاريخ، بالإضافة إلى ما يتعلق بعلم الأديان المقارن والمرأة والتسلح والعلوم الفيزيائية خاصة بقرنيها النسبية وميكانيكا الكم، وأهم الاختراعات وأهم المكتشفين والعلماء ومن حاز جائزة نوبل في القرن الفائت العشرين، ومن المهم أن ينقل القارئ هذه الروح إلى وسطه العائلي ولو بفرد واحد تنتقل له عدوى القراءة والشغف بالكتاب والتمتع بالمعرفية الموسوعية.

ونضيف أيضا في هذه الخزانة المعرفية أشياء شتى من ركن كمبيوتر؛ فيجب على كل فرد للمستقبل ولو كان كبير السن أن يتصل بعالم الكمبيوتر، ومن محتويات هذه الخزانة المعرفية علينا أن نضع مجموعة من الأفلام الراقية، بشرط أن تنير جانبا روحيا أو إضاءة أفق مجهول وحقبة تاريخية، وبهذه الطريقة يتحول التلفزيون أيضا إلى أداة ثقافية أو كتاب من نوع مختلف.

الخزانة المعرفية يمكن تحديدها بحوالي خمسة وعشرين حقلا معرفيا بحيث تمتد المعرفة بالطول والعرض والارتفاع فراغيا، ولا يكتفي الإنسان بكتب التراث بل بتجديد التراث بالإضافة إلى العلوم العصرية..

ومن تجربتي الممتدة خلال نصف قرن اجتمعت في بيتي مكتبة رائعة من بضعة آلاف من الكتب، ومتعتي بغير حدود حين استعيد نشاطي الذهني في هذه الكتب فلكل كتاب تاريخ ووقفة وذكرى، تماما كما هو الحال في ذكرياتي مع حفظ القرآن وكل سورة أين حفظتها، وكذلك الكتب. سورة آل عمران بجنب المسجد الكبير وسوق الخضرة القصي، سورة يونس على ظهر بيت صديقي حسان جلمبو رحمه الله الذي قضى نحبه في سجن تدمر، سورة المؤمنون في قبو المخابرات العسكرية في القامشلي، كتاب ميلاد مجتمع في مرتفعات مضايا، كتاب زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم في حدائق الفاكهة في الزبداني وأنا مطارد من مخابرات البعث، والليالي الجميلة مع الشباب، كتاب علم النفس لعبدالستار إبراهيم في جبال النماص، كتاب قصة الفلسفة تأليف ديورانت في مشفى مارين في المدينة الألمانية جيلزن كيرشن بور وهكذا.. إنه تاريخ عامر لذيذ..