ومرة أخرى، سآخذكم إلى تقابلية الأضداد في الأرقام لنفضح عورة الخلل. عضو مجلس الشورى يقول بعد مناقشة مجلس الشورى لتقرير وزارة العدل إنه اتضح أن هناك قاضياً واحداً لكل 35064 مواطناً، أي ما يقارب ثلاثة قضاة لكل مئة ألف مواطن. والخيال ليس في وجود ثلاثة قضاة أمام حشد من المواطنين سيملؤون كل مقاعد ملعب (ويمبلي) الأولمبي، بل في ضآلة هذا الرقم حد الذوبان، رغم أننا ولله الحمد نغص بعشر كليات للشريعة. لماذا نشتكي هذا النقص؟ ومن المسؤول عنه؟ وكيف وصلنا إليه رغم أن خريجي الدراسات الإسلامية والشرعية من جامعاتنا المكتنزة يوازون 14% من مجمل خريجي الجامعات؟ لماذا في الأًصل ننشئ كليات الشريعة إذا كان هناك من يتعمد هذه النتائج؟ من الذي تعمد أن تكون وظيفة – القضاء – نادرة، ينتظر فيها المواطن نصف عام بين الجلسة والأخرى وعامين كي يصل إلى – الحكم – رغم آلاف النبهاء والمتميزين من خريجي كليات الشريعة؟ لماذا وصلنا للمعادلة المستحيلة: أندر الوظائف في مقابل أكثر المؤهلين عدداً وكثافة؟

خذ على الضفة الأخرى من مهزلة تناقض الأرقام مع الحقائق أن نائب وزير العمل يذكر على هامش ندوة (تجارب ناجحة للسعودة) أن بطالة المرأة السعودية تصل إلى 28% وأن 78% منهن يحملن الدرجة الجامعية. خذ في المقابل أن الأخ الزميل الدكتور محمد القنيبط يذكر على هذه الصحيفة أن عدد التأشيرات الصادرة في العام الأخير يزيد عن مليون ومئة ألف تأشيرة وافدة. عن أي سعودة تتحدثون أمام هذا الطوفان الجارف؟ تقول ذات الأرقام إن مئة ألف تأشيرة تصدر سنوياً – لمستقدمين – تزيد رواتبهم في شركات القطاع الخاص عن عشرة آلاف ريال في الشهر، وبالطبع نظراً لتخصصاتهم النادرة. سؤالي: ماذا بقي في البلد من تخصص نادر إذا كانت جامعاتنا تدرس الفيزياء الذرية، وإذا كان خريجو كليات الحاسب والهندسة ينتظرون في الطابور، وإذا كنا نشترط على الطبيب المقيم بعد التخرج أن يقبل الوظيفة في الأرياف والهجر؟ هذا الوضع يحتاج إلى قرار، لأن البديل هو (فوضى الجياع) لعشرات الآلاف من الجنسين الذين يشحذون الوظيفة متذرعين بشهادات جامعية (نادرة) فيما الشباك يمنح في العام مليون تأشيرة.