أعرف أن الموضوع لا يهم أحدا ولذلك استبعدت أن أكتب عنه. ذلك الموضوع هو كاحل رجلي اليمنى الذي انكسر منتصف الأسبوع الماضي، لكنني أمس وجدت مجنونا خالصا مخلصا لجنونه يكتب بحميمية وغزل صريح عن قدمه، فقلت: وهل قدمي أرخص من قدم هذا المجنون؟ على الأقل قدمي قدم عاقل – كما أزعم – أما قدمه فقدم مجنون وهي أقل قيمة تبعا لقيمة العقل البشري، فلا يعقل أبدا أن تكون أعضاء المجانين أغلى من أعضاء العقلاء، لا عند أنفسهم ولا عند الناس ولا أمام القانون. يقول المجنون عن قدمه التي كتب عنها تحت عنوان (حبيبتي التي لم أستطع تقبيلها) يقول بكل جرأة: (إنما أكتب لنفسي عن (عضو) يخصني، وأحمل له إعجابا واحتراما كبيرا، وهذا العضو الأثير عندي هو (قدمي) العزيزة لا غيرها..

وكيف لا وهي التي حملتني طوال حياتي، غير حافلة، وسارت بي أينما توجهت؟! وما أكثر ما ركضت، وما أكثر ما لعبت، وما أكثر ما قفزت، وما أكثر ما تعثرت، وما أكثر ما داست على الشوك، وما أكثر ما دلفت بي من خلال أبواب الغرام (بأنصاص) الليالي كأي (حرامي)، وما أكثر ما (جعصت) ووضعت بكل كبرياء رجلا فوق رجل، وما أكثر ما غاصت بالوحل إلى حد الركب..

والذي دعاني لذكرها الآن هو ما سمعته من طبيب مختص عن قيمها التي لا تضاهى، ومنها على سبيل المثال أنها توفر علينا خمسين علة وعلة طالما أننا اهتممنا بها و أوليناها عنايتنا، وهي قد تتعرض للكثير من الأمراض إذا أهملناها، فهي قد تتعرض لما يسمى بمسمار القدم، والبثرة، والظفر النامي، والثألول، والتواء المفصل، والعدوى الفطرية، وتصلب الجلد..

وعرفت من الطبيب كذلك أنها تستطيع بالمتوسط أن تسير بنا (105000) كيلومتر طوال حياتنا - أي ما يعادل السير حول الكرة الأرضية مرتين ونصفا - ومن كثرة مديحه لها خلتها بنتا من بناته، لهذا كبرت هي في عيني أكثر، وأصبحت لا أستغني عنها أبدا، وأطرح عليها السلام صباحا ومساء، وأول ما أبدأ بالاستحمام أبدأ بها هي قبل رأسي، وأدعكها، وأعطرها، بل قد وصل بي الحال إلى أن أغار عليها، وغدوت أضعها على المخدة كل ليلة وأسمي عليها من العين والحسد، وبالأمس القريب راودتني نفسي على تقبيلها ورفعتها و(شقلتها) إلى فوق ولويت ظهري الذي كاد ينكسر للوصول إليها، ولكنني للأسف لم أطلها فأحسست بالحرمان والحسرة المريرة)..

ثم ذهب أخونا المجنون يتحدث عن أقدام تاريخية وأخرى معاصرة، ليبرر غزله هذا في قدمه (اللي جعلها الخفع). وقبل أن أحدثكم عن كاحلي المكسور، أريد أن أقول لكم إن هذا المجنون الخالص المخلص لجنونه هو صديقي العزيز اللدود مشعل السديري، وقد قرأت مقاله الهايف هذا أمس في "الشرق الأوسط" وقررت أن أستغلها فرصة لأعرفكم بمستوى عقله وحقيقة جنونه التي لا يختلف عليها اثنان، وثانيا هو خارج البلاد وخارج التغطية، ولذلك سينشكح أيما انشكاح عندما يعلم أن كاحلي مكسور، فأنا أعرف الناس بطريقة تفكيره، وعشقه للشماتة بالناس. وبقدر ما حرصت على أن أفرحه بهذا النبأ عني أردت أن أؤكد لكم عمق جنونه وخطورة حاله العقلي، فليفرح بكسري ولأفرح بكشفه، أما كاحلي، فقد التوت رجلي وكنت أظنها (خفعا) كما نسميه في ديرتنا ولكن الطبيب قال لي لقد كسر الكاحلان، وتولاني الدكتور العظيم إبراهيم طبش في مستشفى سعد التخصصي بمدينة الخبر واستخدم مهارته في الجراحة، وما إن أفقت من البنج حتى غير كل كلامه قبل العملية، حيث واجهني بحقيقة أن قدمي ستبقى في بحبوحة من الدلع والرعاية لستة أسابيع، وأي إغضاب لها خلال هذه المدة يعني المزيد من مدة إضرابها عن المشي، قلت: وماذا أفعل يا دكتور إبراهيم، هل أعطل بقية جسمي وعملي من أجل هذه الحقيرة؟ قال: إياك أن تسمعك، كن حريصا على مشاعرها وإلا فهي مستعدة أن تتحداك بقية العمر. وهكذا أصبحت عبدا لرجلي.. وعندما قرأت مقال مشعل قلت: الله الله ما أعظم جنونك يا مشعل!!