على الرغم من أنني من متابعي الدراما التاريخية التي تحاول تجسيد أحداث مثيرة للذاكرة الاجتماعية والثقافية ـ مما قد يصحح الكثير من المفاهيم المغلوطة حول تاريخ حساس جداً كالتاريخ الإسلامي، في حال كان القائمون على العمل جادين في البحث عن الحقيقة وحياديين تجاهها وليس لديهم أي تحزب أو عنصرية - إلا أن الترويج والجدل الذي سبق عرض مسلسل "الحسن والحسين" - بعد أيام قليلة ضمن الأعمال الدرامية الخاصة بشهر رمضان المبارك - يوحيان بأننا مقبلون على معركة (درامية ـ دينية) قد توظف فيها الأدوات الطائفية بامتياز، خصوصاً وأن المرحلة التي يتحدث عنها المسلسل هي البذرة الأولى للتناحر الطائفي الإسلامي الذي ما زالت الأمة تدفع ثمنه حتى الآن. ففي اعتقادي أن المشكلة لن تكون في العمل الدرامي لأنه كما يظهر دعم بآراء شرعية من مراجع دينية لها وزن كبير في العالم الإسلامي، بل هي في التوقيت الخطير الذي يعرض فيه العمل، فنحن نعيش تأزماً طائفياً مقيتاً لم نصل له حتى في أشد فترات الانقسام والاحتراب بين دول أو دويلات إسلامية مختلفة. فالشحن الطائفي الذي تدعمه التقنية الحديثة وسهولة وصول المعلومة أو "الفتوى" أو حتى الرأي العابر من متعالم هنا أو هناك، حول كلمة أو مشهد لم يعجب المشاهد "الطائفي"، ولم يدعم وجهة نظره حول حدث تاريخي طوي قبل أكثر من ألف عام، وأريقت حوله مئات الأطنان من الدماء والأحبار. هذا الشحن، كفيل بأن يثير أزمة جديدة يبعثها المتشددون من جميع الطوائف من تحت الرماد، ليزداد الدخان الأسود في سماء الأمة، ويجد فيها نخبة من الانتهازيين فرصة للعب بالمشاعر وتأجيج صراعات وهمية بين عامة الناس الذين هم وقود أي أزمة.. فمن سيقف في وجه هؤلاء؟
ومع ذلك فإن هناك جانباً إيجابياً، هو أن طرح القضايا الفكرية الجدلية في عمل درامي عربي فعل ثقافي جريء، يسهم ولا شك في إعطاء الدراما والفنون بشكل عام دوراً أكبر في الوعي الاجتماعي وإثارة التفكير والأسئلة المشروعة حول قضايا تاريخية وعصرية، عادة ما يلقن الأطفال حولها آراء أحادية جامدة لا تسمح لهم بالبحث والاستقصاء بأنفسهم، وهذا الأمر من أسباب تنامي التطرف والتشدد الديني.
ولكن مرة أخرى: متى يأتي الوقت الذي نجد فيه أن اختلاف الآراء والمذاهب لا يمثل خطراً ولا يسفك دماً؟