من منكم لم يشاهد في أحد أيام أغسطس الساخنة في الرياض "ونيت" داتسون "صحن" محملا بالخضراوات والفواكه وكراتين المعلبات، وفوق الشحنة بضعة كراتين من الدجاج المجمد وهو يسير في وسط الزحام على طريق الملك فهد المتجه من الجنوب إلى الشمال تحت تلك الأشعة الشمسية الملتهبة؟.
من المؤكد أن هذا المنظر يتكرر كل يوم حيث يعتاد أصحاب البقالات الصغيرة الذهاب إلى أسواق الجملة في جنوب العاصمة أو شرقها لتأمين الحاجة اليومية للبقالة من مواد غذائية مختلفة التي تباع من جديد إلى الأفراد من جيران البقالة أو المارة بالتجزئة. وقد يبدو هذا الأمر مقبولا لو كان يحدث في مدينة هيلسنكي في الفترة التي تقع بين شهري سبتمبر ومارس، أما أنه يحدث في الرياض وفي أي شهر من السنة احتواء على أشهر الصيف، فإنه حتما يوجد خلل ما، أو دعونا نقل توجد غفلة كبيرة عن هذه الحالة الخطيرة جدا.
نحن نتكلم عن نقل المواد الغذائية المجمدة عبر السيارات العادية غير المبردة، والحديث ليس من الناحية الصحية لأنه حتى الجاهل في هذا الزمان يدرك خطورة تعرض اللحوم المجمدة إلى الحرارة، لكنه محاولة للتذكير ولفت نظر المسؤولين إلى ذلك فقط.
ما من شك في أننا في المملكة نتعود مع الأيام على مشاهدة المخالفات التي نعايشها يوميا. منها مثلا المخالفات المرورية المتعددة، وموضوعنا هذا وغير ذلك كثير لأسباب ومبررات قد لا نقتنع بها أو لا يقتنع بها بعضنا، ولكنها تمضي وتسير وتصبح هذه المخالفات أو الظواهر الغريبة بعد مرور الوقت وتكرار المشاهدة أمرا واقعا وليس شاذا.
خذ مثلاً بعض حالات المرور كالوقوف اللامنتظم أمام الإشارة أو التجاوز من اليمين أو التوقف في أي مكان في الشارع أو التزاحم عند التوقف أمام الضوء الأحمر. اعتدنا أيضاً على الخدمات السيئة جداً التي يقدمها سائق ما يسمى "خط البلدة" هذا السائق "المثالي" في قيادته ونظافة سيارته ومظهرها ونظافته هو ومظهره وكأننا قبلنا به وبوسيلته لتغطية النقل العام في عاصمتنا ومدننا. كما ذكرت نعتاد على الشيء عندما يتكرر ويتقبله السواد الأعظم منا حتى لو كان "غلط" في الشكل والمضمون. وإلا كيف لعاقل منا أن يفسر وجود تلك الكلمات التي في مؤخرة "خط البلدة" والتي تقول "العليا 9 دلة" أو "البطحاء 6 المطار" بخط اليد الرديء جداً بدون أن يوجد لدى الواحد منا أي فكرة أو معرفة عن مضمونها أو من صممها أو أمر بها ووافق عليها.
هذا يقودنا إلى القول إن السبب الرئيسي في تفشي ظاهرة نقل المواد المجمدة على ظهور هذه "الصحون" هو الاعتياد عليها أولاً ثم الغياب الواضح للوائح والمواصفات القياسية اللازمة. هذا أدى إلى تقاعس التجار المستوردين للمواد المجمدة عن توزيعها بين البقالات والاكتفاء ببيعها مجمدة على أماكن الجملة المحدودة العدد. أما مصانع الألبان مثلا التي مكنتها المنافسة على الجودة وليست التعليمات واللوائح إلى الإبداع في مواصفات وسائل النقل المبردة والنظيفة فقد باشرت بتوزيع منتجات الألبان على جميع البقالات المنتشرة داخل الأحياء بواسطة سياراتها هي وبنفس الأسعار التي تقدم لتجار الجملة.
نعود مرة أخرى إلى الإدارة العامة لحماية المستهلك في وزارة التجارة بالتعاون مع أمانات المدن التي يتحتم عليها القيام بتحقيق شامل حول هذه الحالة والتوصل إلى اتخاذ التدابير اللازمة للقضاء عليها. إننا نقترح من خلال هذه العجالة على تلك الإدارة أن تختار إجراء واحدا من اثنين: إما إلزام صاحب البقالة شراء سيارة مبردة لهذه الأغراض، أو إلزام بائعي الجملة توفير ذلك وتوزيع هذه المنتجات المجمدة بين البقالات بدلا من السماح لأصحاب هذه الشاحنات المفتوحة بنقلها تحت هذه الظروف. وفي رأيي أن الاقتراح الأخير هو الأقرب إلى التطبيق ليس بالضرورة من خلال إلزام أي تاجر جملة بعمل ذلك، ولكن من خلال تكاتف هؤلاء التجار في صياغة عقد أو اتفاق موحد مع شركة مؤهلة ومتخصصة مثل شركة مبرد التي تستطيع تولي هذه المسؤولية وتنفيذها بكل سهولة من خلال الإمكانيات والخبرات التي تتوفر لديها في هذا المجال. ومهما انتهت إليه القضية، فيجب في النهاية ألا يسمح على الإطلاق بنقل هذه المواد تحت ظروف المناخ الخارجي في معظم مناطق المملكة بغرض إعادة البيع ومعاقبة من يخالف ذلك بكل حزم.
نطالب في هذه الأثناء أيضا أن يتم تبني مواصفات محددة لتخزين المواد الغذائية داخل البقالات ومعاينة دورية للثلاجات الموجودة في هذه البقالات ووضع المواصفات الدنيا لدرجة حرارة البقالة من الداخل بشكل عام. يجب أن تختلف معاملتنا للمواد الغذائية المجمدة من حيث النقل والتخزين والعرض وهذا الكلام على مستوى البقالات، عن معاملتنا للأرز والسكر والقهوة والمواد الأخرى الجافة. وما يسري على المواد المجمدة يجب أن يسري أيضا على المواد المبردة مثل الفواكه والخضار والأجبان والبسكويتات المحشوة وما إلى ذلك.
نحن كمستهلكين لا نفضل رخص الأسعار على حساب الجودة والصحة وانعدام النظافة ورداءة البيئة المحيطة بالبضائع. فإذا كانت البقالة ستضطر إلى مساواة سعر السوبر ماركت فليكن. بل إن البقالات عادة وفي الدول المتقدمة تبيع بأسعار أعلى من المحال الكبرى كون مثل هذه التكاليف مع محدودية المعروض وتدني المبيعات تجبرها على رفع الأسعار ويتقبلها المستهلك. ولهذا يسمونها هناك Convenient Stores أي المكان الأقرب أو المريح.
بدأنا نشاهد مثل هذه المحلات في دولة الإمارات العربية المتحدة ملاصقة لمحطات الوقود. وأصبح السائق هناك يربط بين التبضع من هذه المحال وبين تعبئة السيارة بالبنزين أو صيانتها. ما أحوجنا إلى الوقاية أولاً من خلال التقنين لا سيما والحديث هنا عن مأكولات قد يسبب إهمالنا لمراقبتها التسمم والأمراض وما قد يلي ذلك من تكاليف العلاج وحجز الأسرة في المستشفيات وغرف الطوارئ.