جاء صدور بيان وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الذي توضح فيه ارتباط هوية الأندية الأدبية بالأدب وأن "الثقافة" المرتبطة بالأندية الأدبية يُقصد بها ما يتّصل بالأدب بمختلف أشكاله وأجناسه وأساليبه وأنماطه من نشاطات وفعاليات، فإذا خلا العمل الثقافي من شكل أدبي واضح أو انتفى منه الملمح الأدبي، فإنه يبقى في إطار مفهوم الثقافة العام وليس الثقافة "الأدبية" لإزالة اللبس الذي رافق انتخابات مجالس إدارات الأندية الأدبية، وشروط الانضمام للجمعية العمومية. وكنت قد أكدت في مقالتي السابقة على هذه الهوية الأدبية، لكن هل يكفي البيان لإزالة "الغبن" الذي شعر به المثقفون من غير الأدباء الذين يمارسون حرفة الأدب؟ وهل ضاقت بهم الأرض بما رحبت؟

المثقفون هم رسل الفكر والتنوير، وهم منتجو الثقافة المجتمعية الموجهة التي لا تقتصر على "ذلك المركب الكلي الذي يشتمل على المعرفة والمعتقد والفن والأدب والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى، التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع" - حسب تعريف تايلور - وهي إرث فطري ساكن يعيد تشكيله المثقفون بوعيهم وفكرهم النقدي وانفتاحهم على حضارات الأمم الأخرى. المثقفون هم لسان حال مجتمعاتهم، والعقل الموجه لسلوكياتها، والمنظم لمصالحها بحكم تغلغلهم في جميع الطبقات الاجتماعية من خلال المؤسسات التربوية والجامعات والصحافة، ومن خلال ما تسفحه أقلامهم في صفحات الكتب والصحف من تنظير وفكر في شتى العلوم والمعارف، ونقد للواقع السياسي والاجتماعي، وتشخيص لسلبيات المجتمع. هؤلاء هم الصفوة وقادة الفكر وعرابو التغيير لهم "الصدر دون العالمين أو القبر".

وهم فعلا من تتشرف الأندية الأدبية بحضورهم، وقبولهم الدعوات لإقامة ندوات فكرية، أو مناقشة قضايا ثقافية مهمة، يتوارى خجلا أمام ثرائها المعرفي وعمقها الفكري والفلسفي وواقعيتها وملامستها لثقافة المجتمع، كثير من الأمسيات القصصية والشعرية الباهتة الضعيفة فنيا.

والسؤال هو: أين يذهب هؤلاء المثقفون بمختلف مشاربهم الثقافية ومذاهبهم الفكرية؟ وهم ليسوا بحاجة لمن يؤويهم، لأنهم هم الملاذ وهم من يحتضن ثقافة أمتهم ويذود عنها. لكنني أسأل هنا عن تنظيم نقابي أو مؤسساتي حر على غرار "اتحادات الكتاب" في بقية الدول. فليس من العدل أن تختصر وزارة الثقافة رعايتها للثقافة في الأندية الأدبية فقط، فهي ليست وزارة للأدب بل للثقافة التي يقع على عاتق المثقفين، جميع المثقفين، بمن فيهم الأدباء صياغة أبجدياتها، وتنظيم بنائها. ولا يكفي إنشاء مراكز ثقافية لتقام عليها أنشطة الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون في كل منطقة، فهي لا تختلف هنا عن "قصور الثقافة" في مصر الشقيقة والمنتشرة في جميع المدن والمحافظات والقرى المصرية. وهي بلا شك خطوة تصحيحية تشكر عليها وكالة الشؤون الثقافية، لكنها ما زالت مقتصرة على الأدب والفن. فأين هي حقوق المثقف؟ وأي بطاقة عضوية سيحملها الكاتب السعودي المؤثر والفاعل أكثر من ألف حامل بكالوريوس في الأدب؟