من كان سيصدق أن وفاة رايشل كوري (Rachel Corrie) الفتاة الأمريكية ذات الـ 19 ربيعا التي ضحت بروحها عام 2003 تحت جنزير الجرافة الإسرائيلية لمنعها من هدم منازل الفلسطينيين، سوف تتحول بعد سبع سنوات إلى حركة تضامن عالمي مع الفلسطينيين؟ ومن أجل تضحية تلك الفتاة، أطلقت حملة بواخر الحرية على إحدى سفنها اسم Rachel Corrie تخليداً لاسمها واستمراراً لحركة التضامن لرفع الحصار عن غزة. وفعلاً جاءت هذه السفينة مع السفن التركية التي سبقتها وعليها مئات المشاركين من جنسيات وأعراق مختلفة ليقولوا لإسرائيل كلاماً لم يتجرأ أحد من قبل على قوله لها: لن ندعك تستمري في ممارسة الحصار.

لذلك عندما وقف الرجال والنساء من شتى أنحاء العالم، مسلمين ومسيحيين ويهود صفاً واحداً متضامنين أمام الجنود الإسرائيليين على ظهر سفن الحرية التركية، أيقنت أننا أمام خطاب عالمي جديد يحمل مشروعين عظيمين. المشروع الأول بروز مؤسسات المجتمع المدني على مستوى العالم لوقف الظلم والوقوف ضد الطغيان. الثاني، ولادة مفهوم جديد للآخر وهو (الآخر الشعبي) لا يحمل كراهية للشعوب بل حباً للجميع ودعماً للسلم العالمي بعيداً عن الحكومات والسياسة.

سوف أنقل لكم مشهدين من عشرات المواقف التي سجلها المتضامنون من أجل الحرية للدلالة على قوة وأثر هذا الخطاب الجديد. فبعد إن احتسبت المرأة التركية زوجها شهيداً بعد أن أطلق عليه الجنود الإسرائيليون الرصاص غدراً، لم تخفها رشاشاتهم ولا صيحاتهم، بل نظرت إلى زوجها أمامهم بفخر ورضا وقالت إنه هدية للأقصى وغزة. الموقف الثاني رفض جميع المشاركين في الحملة التوقيع على أي إقرار بالدخول غير الشرعي. وأصروا على القول نحن أتينا إلى (فلسطين) وأنتم الذين اختطفتونا.

الآن علينا أن ننضم إلى مشاريع هذا الخطاب بفاعلية وشفافية.. لنصبح جزءاً من مفرداته الفاعلة. فالعالم قد تغير لصالحنا وبالتالي فإن استرجاع الحق يحتاج إلى قبول الآخر والعمل معه.. ويتطلب الالتقاء معه على قيم إنسانية مشتركة. لكن قبل كل ذلك علينا أن نعمل على قيام مؤسسات مجتمع مدني فاعلة تستفيد من بقية المؤسسات وتتحالف معها.