في الوقت الذي تسير فيه الحياة بشكل طبيعي في طهران والمدن الإيرانية الأخرى، الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفكر فيه معظم الإيرانيين حاليا هو التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة. وفي مثل هذه الأجواء الصيفية الحارة في معظم المدن الإيرانية الكبيرة، حيث ترتفع درجات الحرارة إلى حوالي 40 درجة مئوية أحيانا، من لا يفكر أيضا بقادة المعارضة مهدي كروبي ومير حسين موسوي؟ الرجلان وزوجتاهما يخضعون للإقامة الجبرية منذ خمسة أشهر، دون أن يحاكم أي منهما أو توجه إليهما أي تهمة تخص الأمن القومي. كل ما في الأمر أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي قرر أن يزيحهما من الحياة العامة. أولاد الرجلين بالكاد يستطيعون زيارتهما، واتصالهما مع العالم الخارجي مقطوع تماما. موسوي، رئيس الوزراء السابق، وكروبي، رئيس البرلمان السابق، بسجلاتهما الثورية الجيدة، متهمان حاليا بخيانة الدولة. وخيانة الدولة في إيران يمكن أن تعني "التصرف بطريقة لا ترضي المرشد الأعلى".

وضع موسوي وكروبي ليس سهلا، فالمرشد الأعلى يتمتع بسلطة سياسية ودينية مطلقة، ولا يمكن لأحد أن يتحدى سلطته. لكن السؤال هو: هل يدفع كل من موسوي وكروبي ثمن حماس الشعب الإيراني في فترة ما بعد الانتخابات، أم أن الشعب يدفع ثمن عدم قدرة زعيمي المعارضة على قيادة وتحريك الشعب بشكل أفضل؟

عندما نتذكر كيف استجاب الناس لدعوة موسوي وكروبي للتظاهر بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية في 2009 نرى استجابة مختلفة تماما من قبل الناس. هناك عائلات فقدت أبناءها، وهناك الكثيرون الذين تعرضوا للاعتقال والتعذيب ووجهت إليهم تهم جائرة وحكم عليهم بفترات سجن طويلة وغير عادلة، فيما اختار البعض الآخر مغادرة إيران خوفا على نفسه. لكن مواقف زعماء المعارضة لم تكن بالجرأة التي كان الناس يتوقعونها منهما. لذلك، وفي هذا الجو الصيفي الحار في طهران، وحيث يعتبر ارتداء المرأة لقبعة فوق الحجاب أمرا "لافتا للنظر" وهو ممنوع، من يمتلك الرغبة لتعريض نفسه للمشاكل من أجل موسوي وكروبي؟ هل يمكن أن يكون لموجة الحر تأثير على أداء الناس السياسي؟ أم أن الناس يشعرون بالإحباط من نفس السياسيين المعارضين اللذين أفرزهما النظام نفسه؟

ليس هناك الكثير من السياسيين البارزين الذين يرغبون في التعاطي مع وضع موسوي وكروبي. فقط الرئيس السابق محمد خاتمي ومجموعة صغيرة من علماء الدين في مدينة قم طالبوا الشهر الماضي في رسالة مفتوحة بإطلاق سراح موسوي وكروبي، وكذلك فعل مؤخرا آية الله داستغيب. لكن المرشد الأعلى ورئيس القضاء الإيراني لا يحبان التعامل مع هذه القضية. ربما يريد النظام أن يترك القضية دون حل إلى يتأكد من أن الناس لم يعد لديهم أي اهتمام بأي من الرجلين، موسوي وكروبي، وأن وجودهما في الحياة العامة لم يعد يشكل خطرا.

بالتأكيد أن جميع الإيرانيين تقريبا يتذكرون جيدا كيف اختفت صور آية الله حسين علي منتظري، الذي كان أحد المرشحين لخلافة آية الله الخميني، من شوارع المدن فجأة وفي يوم وليلة. آية الله منتظري اختلف مع الخميني في 1989 حول بعض سياسات الحكومة مما جعل مؤسس الثورة يلغي التفكير في تعيينه خليفة له. عندما أصبح علي خامنئي مرشدا للثورة بعد الخميني استمر خلافه مع منتظري، وأصدر خامنئي أمرا مباشرا بوضع منتظري قيد الإقامة الجبرية لمدة ست سنوات (1997-2003). آية الله منتظري توفي في ديسمبر 2009 لكن تجربة وضعه قيد الإقامة الجبرية جعلت خامنئي يفكر فيها مرة أخرى, كان منتظري يتحدى بشكل دائم شرعية خامنئي وموقعه الديني بين كبار رجال الدين الشيعة. لكن موسوي وكروبي تحديا شعبيته وعدالته وسلطته الاستبدادية في حكم البلاد. كانت الإقامة الجبرية لمنتظري في مدينة قم، لكن نشاطاته لا يمكن أن تقارن مع نشاطات موسوي وكروبي. أبناء الزعيمين يقولان إنهما محاطان بكاميرات مراقبة حتى داخل منزليهما، وأن تواصلهما الوحيد مع العالم الخارجي هو عن طريق القنوات التلفزيونية الإيرانية الرسمية، ونادرا ما يسمح لهما بلقاء أبنائهما أو والديهما.

وفي الوقت الذي تمضي فيه الحياة بشكل اعتيادي، سيىء أو جيد، في إيران، يتحدث آية الله علي محمد داستغيب، أحد رموز المعارضة للنظام الإيراني، عضو مجلس الخبراء الذي يمتلك صلاحية اختيار المرشد الأعلى القادم، عن موسوي وكروبي، ويطلب من الطلاب تأييد الرجلين ومخاطبة رجال الدين بخصوصهما. وقد أعرب داستغيب عن قلقه بشأن الحالة الصحية لكل من موسوي وكروبي حيث لا يوجد فريق طبي لرعايتهما صحيا.

إن من المفاجئ أن يختار باقي رجال الدين البارزين، أمثال هاشمي رفسنجاني ووحيد كوراساني، الصمت وعدم التدخل في هذه القضية. لم يبق سوى أيام معدودة لشهر رمضان المبارك، وسيأخذ النشاط الاجتماعي شكلا مختلفا أقل نشاطا خلال هذا الشهر، وسيتراجع التفكير بموسوي وكروبي أكثر من قبل. وفي سبتمبر سيفتتح البرلمان ويحضره الرئيس أحمدي نجاد حيث سيسيطر الخلاف الهامشي بينه وبين المتشددين على المشهد السياسي. الانتخابات البرلمانية على الطريق وجميع الأحزاب ورجال الدين مشغولون بالتفكير بالخطوة التالية للحصول على مقاعد انتخابية. ولكن ماذا عن موسوي وكروبي في هذا البازار المجنون؟ قد نستفيق يوما، كما قال آية الله داستغيب، على نبأ وفاة أحد الرجلين لأسباب طبيعية، وكلاهما تجاوز السبعين من العمر، وتمضي الحياة قدما في طهران. قد لا يبقى لنا سوى ذكرى رجلين هزا البلاد بعد 31 سنة من الثورة، وكيف أن الناس علقوا آمالا كبيرة عليهما قبل أن يموتا مثل الشمعة في مهب الريح، إذا استمر الناس في نسيانهما كما هو الحال الآن.