في المقال السابق، تحدثت عن المشكلة التي ستنتج عن اعتماد آلية تسعير ثابتة في سوق حرة. وسبب انتقادي لقرار وزارة التجارة أن آليات السوق من عرض وطلب هي التي يفترض أن تحدد السعر. فكما يجب أن تكفل حرية شركات الألبان في تسعير منتجاتها، فللزبائن كامل الحرية في المقاطعة والبحث عن بدائل أخرى. وقد أثبتت المقاطعة جدواها بشكل دفع الشركات للتحرك بكامل طاقتها لمواجهة انخفاض مبيعات متوقع في أهم مواسم العام، وهو شهر رمضان. ولذلك فإن تدخل الوزارة لم يكن ذا جدوى فعلية، وإنما يعبر عن السياسة الاقتصادية المشوشة، التي ستكون تبعاتها شديدة السلبية على المدى الطويل.

فصناعة الألبان يمكن أن ينطبق عليها تعريف الاحتكار الطبيعي، بالإضافة إلى احتكار القلة، إذ إنها تتمتع بوجود عدد قليل من الشركات التي تتحكم بالسوق، فيما تتفق الشركات بشكل غير معلن على تحديد الأسعار للاستفادة القصوى من العائد الاقتصادي للمنتج. ولهذا السبب، تبعت شركة الصافي شركة المراعي في رفع أسعار منتجاتها. فهي حتى وإن تمكنت من زيادة حصتها السوقية على حساب المراعي، فإن المحصلة النهائية ستكون خسارة عائد كان يمكن تحقيقه.

إن السبب الرئيس الذي يؤسس لهذا الشكل من الصناعة الاحتكارية هو التكاليف المرتفعة للاستثمار الأولي في هذه الصناعة، ومن ثم فإن تكاليف الإنتاج تنخفض لاحقا مع زيادة الإنتاج المستمر. ولذلك فمن المستحيل أن تتحول الصناعة إلى صناعة متعددة الأقطاب. بل ستبقى دائما هناك شركات كبيرة مسيطرة وأخرى صغيرة تابعة.

يجب ألا يكون تحديد الأسعار بشكل مطلق من صلاحيات الوزارة. وعوضا عن ذلك، فإن الدور الحكومي يجب أن ينحصر في مراقبة الأسعار وضمان عدم استفادة الشركات المحتكرة من وضعها الاحتكاري بفرض رسوم امتياز مرتفعة تضر بالزبائن والاقتصاد الوطني بحيث تضمن الحكومة المصلحة العامة للاقتصاد الوطني فلا تقوم بالتدخل لتثبيت الأسعار إلا عند ثبوت وجود استفادة احتكارية غير مشروعة أو وجود ضرر على الصناعة كما حدث قبل نحو عقد عندما هددت حرب خفض الأسعار إخراج عدد من الشركات من السوق.

بالإضافة إلى ذلك، فإن على الحكومة التوقف عن كافة أشكال الدعم المباشر لكافة المنتجات، وفتح السوق لكافة المستثمرين القادرين على الدخول إلى أي صناعة. فتحرير الأسواق هو الضمانة التي ستكفل الاستفادة الاقتصادية القصوى والسعر الأفضل للمواطن. أما فيما يخص الدعم، فمن الممكن أن يعاد توجيهه بشكل مغاير إلى جيوب المواطنين مباشرة عوضا عن دعم سلع بعينها. فدعم المنتجات بشكل مباشر يزيد من كميات الإنتاج لمعدلات تفوق الحاجة الحقيقية مما يسبب هدرا للموارد الاقتصادية.