وقع تحت يدي كتاب جميل باللغة الألمانية عن أهم 65 اختراعا في رحلة الإنسان، ويجب أن يفرق القارئ بين الاختراعات والاكتشافات، فالكتابة اختراع مع كل قربها منا، ولكن أمريكا اكتشاف ومن طرف واحد، فهي لسكانها من الأسكيمو والمايا مسقط رأسهم ومكان معاشهم.
ويمكن أن يقال أفضل عن اكتشاف القطب الجنوبي حيث لا حياة ولا سكان ودرجة حرارة تنزل إلى ستين تحت الصفر، أو ربما يقال عن اكتشاف ماجلان للكرة الأرضية ليس بأفكار بل بتحقيق.
وربما يسأل القارئ عن أهم الاختراعات وأهم أهمها، وفي هذا يمكن سرد النار فبها تحرك الإنسان إلى مناطق البرد وانتشر في الأرض، وعلى ظهر الدولاب تحرك، ومن الكتابة ملك ذاكرة جماعية لا تزول وتنتهي بموت الأفراد، وكان الورق آلة الكتابة مع القلم وما يسطرون فحق أن يقسم بها القرآن، أما القارب والمجداف والشراع فكلها كانت ركوبهم وعليها وعلى الفلك يحملون، ومن المحراث تم شق الأرض وانفجرت الثورة الزراعية؛ فتحرر الإنسان من الخوف أن يموت جوعا، وكانت المرأة من فجَّر الثورة الزراعية، ومن التعدين لان الحديد للإنسان فكان فيه بأس شديد وقدر في السرد، وأقام أعلى البنايات من الأسمنت المسلح وهي ظاهرة الحضارة، ومن العدد والأدوات من المعول والرفش والإزميل والمطرقة والمسمار والمنشار نحت الصخر ورفع العمد وحفر الخشب وبنى الإنسان لنفسه بيتا، ومن المكيال والميزان انتظمت البيوعات والتبادلات فحق أن تكون قصة شعيب محورية في القرآن ولا تبخسوا الناس أشياءهم، وكانت فكرة عبقرية في اختراع النقد ومنها خرج البلاء المبين لتجنيد المرتزقة من الشبيحة وكتائب القذافي وإفساد الضمائر. أما الروزنامة (التقويم) والساعة فعرف بواسطتها الزمن وهو كائن هلامي لا يُمسك به فأمسكه الإنسان بحركة البندول. ومن الملح والسكر والتوابل استطاب وتفنن في الأطعمة، والحيوان يأكل ما تيسر له فيحافظ ربما على صحته وأسنانه أفضل من الإنسان ولكنها ضريبة الحضارة. ومن الخرائط في الجغرافيا والتشريح في الجسم رسمت معالم الأرض والبدن، ومن الأعداد (العربية هي الأجنبية التي تعتمد عدد الزوايا ونحن نستخدم الهندية) ولد الحساب. ومن النسيج لبس المخيط والكفن، ومن البوصلة تحركت السفن وبالنجم هم يهتدون، ومن البارود لم يبق حصون وقلاع أمام الطاقة النارية وصولا إلى السلاح الذري فارتعبت آلهة الأوليمب في أثينا من قدر الإنسان فقد بات الجنس البشري وللمرة الأولى في تاريخه منذ أن اكتشف علم الأنثربولوجيا قبل سبعة ملايين من السنين قابلا للإبادة والفناء. ومن الآلة البخارية ثم الكهرباء والديزل تحركت السفن حتى استخدمت الوقود النووي وكأنه طاقة ما لها من نفاد. ومن القطار والسيارة والطيارة والغواصة أصبح الإنسان حرا في حركته يقطع كل يوم مئات الكيلومترات وترتبط القارات كما لم يحلم به جول فيرن في رواياته، ومع التلفون والتلغراف والفاكس والإنترنت أصبح الإنسان نقطة في شبكة العنكبوت في غرفة صغيرة للاتصالات، وحين نرى نقل أحداث الثورة العربية بالموبايل بالصوت والصورة، نعلم أنه لم تعد هناك أسرار وكتمان للأخبار، وهذه قوة للشعوب.
هذه قبضة من الاختراعات، وهناك أحلام سوف تتحقق ربما أهمها إلغاء المرض والجوع والحرب ودخول عصر الإنسانية الذي بشر به الأنبياء..
هذا ما نقوله وهناك من يقول عن التاريخ إنه حركة غبية تكرر نفسها بنفس الروح والعقلية مع تغير الآليات..
شيء واحد تمنيت أن أعرف بداية اختراعه: الإبرة بعد أن ذكرها القرآن عن المستكبرين أنهم لن يدخلوا الجنة حتى يدخل الجمل في سم الخياط!