الجامعات السعودية ربما تعتبر من أكبر جامعات العالم من حيث المساحة، والمباني الخاصة بها تعتبر من أفخم المباني العالمية للجامعات والأكثر تكلفة. الدعم الحكومي للجامعات السعودية ربما يكون من الأقوى عالميا أيضا، كذلك المنشآت التابعة للجامعات رياضية وصحية وما إلى ذلك تعتبر من الأفضل عالميا.

ولكن لننظر إلى الإنتاج؛ لا يوجد شخص سعودي واحد حاصل على جائزة نوبل فضلا عن منسوبي الجامعات! لا يوجد برنامج لدى الجامعات السعودية خاص بتسويق البحوث العلمية بين الجهات التي قد تكون مستفيدة، ولا يوجد أيضا جهاز تنسيقي يربط الجامعات بالقطاع الخاص ولو بشكل ربحي عن طريق التمويل! البحوث غالبا ما تكون نظرية صِرفة وحبيسة الأدراج لا يستفيد منها أحد، ربما حتى الباحث نفسه لا يستفيد منها! البرامج العلمية الخاصة بدراسات الماجستير والدكتوراه هي نفسها بنفس العناوين والمواد منذ عشر أو عشرين سنة! وكثيرا ما تكون بعيدة عن الواقع وحاجة البلد الحقيقية.

قمت بزيارة ما لا أحصي من الجامعات العالمية، ولم أر مثل الجامعات السعودية من حيث المباني والمكاتب، بينما لا تجد لذلك أي اعتبار لدى الجامعات المنتجة عالمياً إلا ما يتعلق بالنظافة وجودة التجهيزات وسلامتها. لنأخذ جامعة هارفرد الأمريكية التي طالما أخذت الترتيب الأول في التقييمات الدولية للجامعات، نجد أن مبانيها ومنشآتها عادية جدا بل قد لا يصدق البعض أن هذه المباني هي التي تُخرج ذلك الكم الهائل من الباحثين والمخترعين! بل في زيارتي لتلك الجامعة؛ سألت عن المبنى المركزي لإدارة الجامعة، دهشة مني حيث ظننت أنه بالسؤال عن المبنى المركزي سأجد مباني فاخرة ومتميزة ولكن فوجئت أن لا شيء من هذا القبيل! خذ هذا وقارنه بجامعاتنا! حيث ربما تجد مبنى ضخما لمكاتب إدارة الجامعة المركزية يعادل مبنى كليتين أو ثلاث هناك!

دخلت وزرت كلية القانون ووجدت البساطة ولكن مع النظافة والذوق، ووجدت البروفسور يجلس في غرفة مشتركة بينه وبين زميله حيث لا يوجد مكتب خاص لكل أستاذ! والكثير الكثير من المشاهدات التي تتناقض مع نهجنا وطريقتنا التي كثيرا ما تركز على الشكليات والمظاهر.

مثال آخر عن جامعة من أشهر وأقوى جامعات العالم وهي جامعة أكسفورد البريطانية، التي تتقدم بمتوسط طلب تسجيل براءة اختراع كل أسبوع! حيث تصاب بالدهشة أيضا عندما ترى الكليات المتناثرة في أرجاء مدينة أكسفورد ولا يجمعها حرم جامعي واحد! قد يستغرب البعض أنه لا يزال مبنى كليتين تعملان منذ القرن الثالث عشر حتى الآن! وربما لا تكاد تجد فيهما إضاءة لا تعمل أو دورة مياه معطلة أو جدران متّسخة!

لا تجد الأرضيات الرخامية ولا المكاتب الفاخرة إطلاقا! بل غالبا تجد السباكة الخارجية في دورات المياه لتسهيل عملية الصيانة، وتجد الكثير من الجدران المبنية بالطوب الأحمر دون تلييس! ولكن انظر وقارن الإنتاج العلمي والمعرفي!

ربما نتفاجأ أكثر عندما نعرف أن كامل دخل جامعة أكسفورد لعام 2009-2010، التي يدرس فيها سنويا أكثر من 21000 طالب وطالبة، بالإضافة إلى أكثر من 15000 شخص مستفيد من الدورات والبرامج الأخرى؛ هو £890.6 مليون جنيه إسترليني مما يقل بكثير عن ميزانية جامعة الملك سعود لعام 2010 مثلا، والتي كانت 7.34 مليارات ريال سعودي! هذا غير مراكز البحث والدراسات المتعددة والمطابع العالمية الضخمة التي تديرها جامعة أكسفورد.

إذاً؛ ما السبب الذي جعل جامعاتهم أقوى من جامعاتنا بشكل لا مقارنة فيه؟ مع أن التمويل والمصروفات لدينا أكثر! ربما يجب على وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للتعليم العالي أن يعيد دراسة وتقييم سير الجامعات السعودية بشكل كامل، كي نتمكن من الوصول إلى النتيجة المرجوّة، ولا شك أن تخصيص تلك المبالغ الضخمة من ولاة الأمر للجامعات لم يكن إلا لتحقيق أعلى النتائج والمستويات في التطور والبناء العلمي والمعرفي للبلد، والمرجو من المسؤولين التنفيذيين العمل على تحقيق تلك النتائج وذلك الطموح.

يجب أن تُستبعد وتُحارب العقلية المسيطرة على أذهان البعض بأن المباني والشكل الخارجي هي أهم شيء، بل برأيي أنه يجب أن يراعى في المباني الجودة والحاجة فقط مع تقليل التكلفة قدر الإمكان، فالمبلغ الذي سيُدفع في شكليات وجماليات ربما يكون أولى به مكان ضروري آخر. كما يجب التركيز على الهدف الحقيقي للجامعات وأن يكون أغلب ميزانية الجامعة منصرفا إلى ذلك، لا إلى الشكليات والجماليات.