بالرغم من العبارة التي تترد في الأفلام كثيرا، ونسمعها بمناسبة وبدون مناسبة، وبكل اللهجات (الفلوس مش كل حاجة) إلا أن الواقع يفرض نفسه، ويؤكد أن الفلوس هي (كل حاجة)، وأننا نستطيع بالفلوس أن نصنع المستحيل، وأننا نستطيع أن نشتري بالفلوس كل شيء، فوقتنا هذا مزاد كبير كل شيء فيه معروض للبيع، الضمائر والذمم والبحوث والشهادات والجمال والاحترام والتقدير، لكنه من نصيب من يدفع أكثر. ولأننا ممن يدفعون أكثر، فقد استطعنا أن نجعل (صيفنا، بكيفنا) بامتياز، فبالرغم من أن المسرح عندنا يعاني من أزمة وجود وتفاعل وتأقلم مع العنصر النسائي، فقد استطعنا بفلوسنا أن نشتري مسرحا ومسرحيات تحترم خصوصيتنا (الخاصة) فتعيد على مسارحنا عرض أكبر وأجمل المسرحيات بعد حذف كل الأدوار النسائية أو استبدالها بأدوار ذكورية بشكل يضيف المزيد من الكوميديا إلى المسرحية، وما إن يوضع إعلان المسرحية والذي تمت خصخصته هو أيضا، حتى نتهافت رجالا ونساء بكل شغفنا إلى المسرح.. حتى لو وضعونا في الأجواء الحارة وتحت الشمس الحارقة، فإننا نتسابق إلى العرض نحمل في أيدينا قوارير المياه المعدنية والقبعات الواقية من حرارة الشمس، فنشاهد المسرحية، ونضحك ونضحك ونضحك على حالنا المأساوي إلى درجة البكاء. واسألوا عنا طارق العلي، وعروض مسرحياته في الشرقية.

ولأننا ندفع أكثر فقد احترم بعض الفنانين الكبار من الرجال خصوصياتنا، فقبلوا أن ينعشوا صيفنا الذابل ويقبلوا ضيافتنا، بشرط البقاء خلف سور عال حتى لا تطالهم أيدي النساء، ويكفي على المصطافين أن يصطحبوا أخواتهم وزوجاتهم وبناتهم و(يدفعوا) قيمة التذاكر ليتمتعوا بنظرة على الواقع لهذا الوسيم أو ذاك من وراء القضبان. نحن ندفع الأكثر بالفعل، لكننا وبالرغم من أننا ندفع الأكثر، فإننا لم نستطع أن نصنع صيفا مميزا خاصا بنا وعلى مقاسنا، بل اعتمدنا على شراء ثياب الآخرين الصيفية الفضفاضة، والتي لبسوها في أعوام سابقة وتخلصوا منها، ومن ثم قصقصتها لتصبح على مقاسنا، ويبقى صيفنا في كل عام يستضيف نفس الفرق البهلوانية المبتدئة ونفس المهرجين، وأول أو أقصر رجل في العالم، ونفس العرض الممل لتراثنا المناطقي في كل صيف حتى مللناه بعد أن حفظناه عن ظهر قلب. الإعلانات التي تنهمر علينا عن الصيف في المناطق كالمطر، متشابهة جدا إلى درجة التطابق لأنها تدور في ذات الدائرة، ولو كان الجهد المبذول في الإعداد للمهرجان الصيفي يساوي الجهد المبذول في تصميم الإعلانات وتوزيعها لخرجنا بنتيجة صيفية رائعة أكبر من دفع الفلوس في اللي يستاهل واللي ما يستاهل.