في السنوات العشر الماضية كان تنقل الأفراد من مواطنين ومقيمين بين مناطق ومدن المملكة المختلفة يعاني من بعض الصعوبات، وكانت معظم هذه الصعوبات موسمية، وكان التركيز في تلك الفترة على النقل الجوي من خلال الخطوط السعودية. وفي هذه الأيام تشهد المملكة حركة تنقل كبيرة جدا تفوق وسائل النقل الجوية والأرضية المتاحة. وقد يكون ذلك نتيجة للزيادة في عدد السكان، وللإقبال الكبير على السفر من قبل المواطنين والمقيمين، وللعدد الكبير من المشروعات التنموية المنتشرة في جميع مناطق المملكة، والشركات والمؤسسات العاملة بها وما تتطلبه من حركة وتنقل، وتزيد هذه الحركة في المواسم وفي العطلات الرسمية بشكل ملحوظ، وفي كثير من الأوقات لا يستطيع كثير من الأفراد السفر في الوقت الذي يرغبون السفر فيه، نظرا لعدم حصولهم على مقاعد على الرحلات الجوية. ووسائل النقل المتاحة للمسافر قد تكون الخطوط السعودية، وفي أغلب الأوقات تكون جميع الرحلات مغلقة حتى الانتظار يكون مقفلا لفترات قد تصل إلى أكثر من شهر، ولا بد من الحجز قبل عدة أشهر لتحصل على مقعد، ولكن ماذا عن الحالات الطارئة ؟ وكيف يتم التعامل معها ؟ سواء لمرض، أو لتقديم واجب العزاء، أو لزيارة الوالدين، أو الأقارب، أو لأي سبب آخر من ضمن الحالات الطارئة؟. والوسيلة الأخرى هي من خلال خدمات النقل الجماعي، وفي المواسم قد يتطلب الأمر الحجز قبل السفر بالباص عدة أيام، ويستغرق السفر بالنقل الجماعي وقتا طويلا حتى يصل إلى الجهات المقصودة ؛ لأنه يقف في عدد من المحطات التي يمر بها لتقديم الخدمات للمسافرين لتلك المدن أو المحافظات. وهنا أرى أنه من المناسب أن تكون هناك رحلات مباشرة بين بعض المدن، ورحلات أخرى تتضمن توقفا في بعض المدن أو المحافظات التي تقع بين المدن الرئيسة؛ فالرحلات المباشرة تساعد على توفير الوقت على المسافر وتقلل من التوقف أثناء الرحلة.
أما الوسيلة الثالثة للنقل فتتمثل في السيارات الخاصة، أو ما يعرف بـ "الكدادة"؛ حيث يضطر كثير من المسافرين إلى السفر بالسيارات الخاصة بمبالغ مرتفعة. وهذه الوسيلة قد لا تتوافر بها أساسيات السلامة، و يتم السفر بها لمسافات طويلة، ويسافر بها عدد كبير من المسافرين. كما أن قائدي هذه السيارات يقودون سياراتهم بسرعات عالية جدا، حسب ما يرويه بعض من سافر معهم، ويواصلون السفر لعدة أيام بدون راحة أو نوم، وفي هذه الحالة وجودهم في الطرق السريعة يمثل خطرا على مستخدميها، نظرا لما يعانونه من تعب وإرهاق وسهر. وهناك العديد من الحوادث المميتة التي تسبب فيها قائدو هذه السيارات بين الحين والآخر على طرقنا السريعة التي تربط مناطق المملكة المختلفة.
الوسيلة الأخرى التي لا تتوافر إلا في بعض مدن المنطقة الشرقية والرياض تتمثل في القطار الذي يربط العاصمة بالمنطقة الشرقية من خلال رحلاته التي يقوم بها، مع ما عليه من ملحوظات في الحوادث التي نسمع عنها بين الحين والآخر. والمشروع الثاني الذي يوظف القطار كوسيلة نقل هو ما تم في حج العام الماضي من نقل لعدد من الحجاج بين المشاعر المقدسة، ونسمع عن مراحل أخرى للمشروع نأمل أن نراها على أرض الواقع قريبا، بحيث تربط مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وجدة. وفي حالة استكمال مراحل هذا المشروع فإنه سيعمل على تسهيل حركة الحجاج والمعتمرين من الداخل ومن الخارج، وأيضا المسافرين من غير الحجاج، ومن غير المعتمرين.
ونظرا لوجود أزمات نقل، وبشكل مستمر في هذه الأيام، وقد تكون بدرجة أعلى في الأيام القادمة نظرا للزيادة الكبيرة في عدد السكان، وعدد القادمين للمملكة، إذا كانت هناك خطة إستراتيجية للنقل فهي نظرية فقط ولم تطبق على أرض الواقع. وإن لم يكن هناك وجود لهذه الخطة فنحن بحاجة لإعداد خطة إستراتيجية طويلة المدى للنقل بين مناطق ومدن المملكة المترامية. وهذه الإستراتيجية تكون مبنية على دراسة واقعية وفعلية، وتكون لها خطط تنفيذية وفق جدول زمني محدد. فنحن بحاجة لإستراتيجية للنقل الجوي على مستوى الوطن، وقد يكون ذلك بدعم الخطوط السعودية بعدد كبير من الطائرات وفق جدول زمني محدد مبني على دراسة حقيقية للاحتياج الآني والمستقبلي، ويتم تغيير بعض برامجها، وخططها الحالية بما يخدم المسافر فعليا ويحقق رضاه.
كما نحن بحاجة إلى خطة إستراتيجية للتوسع في التنقل والسفر من خلال القطار بين مدن ومناطق المملكة ؛ بحيث يتم ربط شمال المملكة بجنوبها، وشرقها بغربها، وهذا قد يتيح للمسافر بدائل أخرى غير النقل الجوي، وقد يخدم ذلك أيضا في نقل البضائع، ويخفف الضغط الكبير الذي تعاني منه الطرق السريعة من الشاحنات التي أدت إلى تشويه هذه الطرق.
كما نحن بحاجة إلى الاستفادة من وسائل النقل البحرية، وقد يكون ذلك ممكنا بعد دراسة جدوى مستفيضة لهذا الجانب. ويجب أن تكون هذه الخطة شاملة لجميع أنوع النقل، ولجميع مناطق المملكة بناء على الاحتياج الفعلي والمستقبلي، وأن تكون قابلة للتطبيق بعيدا عن الخطط التنظيرية التي نسمع عنها ولكن لا نراها في الميدان الحقيقي. وهنا أرى أن يفتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال وفق ضوابط وشروط تم تضمينها في الخطة الإستراتيجية للنقل.