على عتبة بيته القديم يستريح الجدُّ أبوعلي ليصلح شسع نعله بكل طمأنينة وهدوء، غير آبهٍ بزخرفات الدنيا، وفي الجانب الآخر يقبض العم محمد على لحيته ـ أمام عدسة المصور ـ لتضيء بـ"شيباتها" المشتعلة نورا ووقارا زوايا العتمة المحيطة بـ"ثيمات" الفلاشات، وأمام كل هذا الوهج يجد المصور الشاب سجاد الكاظم نفسه محاطا بهالة من الضوء، فكل الجهات التي اختارها لتكون الأجمل التقاطا لهذين الرجلين أصبحت زوايا حادة في التعبير والوضوح عن لحظات عفوية لا يمكن أن تكرر بسهولة.
"الوطن" التقت بالمصور سجاد ـ الذي يدرس في المرحلة الثانوية ـ ليتحدث عن حكاية قربه من هؤلاء "المتعبين" الذين يحتاجون إلى فن ومهارة في إقناعهم بالتصوير أو الوقوف أمام العدسة، وقال: إن تستوقف كهلا في الثمانينات من عمره وتشرح له ما تريد فعله، أمر ليس سهلا، فتصوير وجوه وحركات كبار السن حالة فنية غريبة تختلف تماما عن أية لقطة، تبدأ بعملية إقناع ربما تطول وربما تفشل، حسب مخزون المقدرة واللباقة التي تمتلكها، ومدى معرفتك بنفسية الرجل والأحاديث التي يحبها أو يكرهها، ثم بعد ذلك تنتصب "الكاميرا وتوابعها" أمامه، ويساعده في ذلك أن هؤلاء "الزاهدين" لا يهابون العدسة ولا حتى فكروا لحظة بقدرتها الخارقة على إظهار تفاصيل منابت شيبهم واحدة واحدة، بل تراهم منشغلين بتمتمات من التسابيح وهمهمات التهليل والتكبير. ومثل هذه اللحظات التي يقف سجاد أمامها حائرا إذ لا يمكن أن يفرض على "الطاعنين" حركة معينة أو التفاتة إلى اليمين أو اليسار قليلا، إلى الأعلى أو الأسفل أحيانا، بل يتحرك هو ويطوع كل أعضاء جسمه إلى حيث وجهوا هم شطرا من نظراتهم المليئة بثقل وهموم السنين الخالية، ومعها تصبح صناعة الصورة عفوية بحتة، فليس هناك مجال لتصنع الألم أو الهدوء المصحوب بالطمأنية، هذا على الأقل ما رواه الكاظم خلال تجاربه مع الكبار رغم أنه حفيد لهم.
ويمتاز سجاد ـ الذي ينتمي لجماعة التصوير الضوئي في الأحساء ـ بأعمال فنية أهلته لمقارعة من هم أكبر منه سنا وخبرة، وأظهر في الكثير من الأعمال قدرته على تقديم نفسه كموهبة ستضيف رصيدا مليئا بذائقة فنية للعدسة السعودية.