يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي (13 يوليو 2011)، ودّعتْ حياتنا الثقافية قامةً مديدة تُعتبَر من أبرز الأسماء التي عبّدت الطريق أمام رتلٍ طويل من الشعراء والقاصين والنقاد في المملكة. غاب شاكر الشيخ؛ الصّانع الكبير الذي فاقَ لحظته الزمنيّة وتوسّع عنها معانقا رحابة المستقبل التي يلتقي في حقلها ما هو جديد وغضّ وجريء وقابل للرهان باختلافٍ يحمل سمةَ الإبداع والحداثة.

"اليوم الثقافي" الملحق الفارق الذي بات علامة رئيسيّة في تاريخ الصحافة الأدبية والثقافية في مرحلة الثمانينات والنصف الأول من تسعينات القرن الماضي؛ يدين بمنجزه إلى شاكر الشيخ رئيس القسم الثقافي بجريدة اليوم. خليّة النحل التي كان عليها "اليوم الثقافي".. والأفق الذي كان يعمل فيه كتّابها؛ يستند إلى طاقةٍ جبّارة اسمها "شاكر الشيخ". ربما كان اسمه لا يظهر إلا لماماً في افتتاحيّة الملحق. لم يشغلْهُ الاسم ولا مساحة الضوء التي ينبغي أن يحضر فيها. لقد ذابَ شاكر الشيخ في الدور كمسيّر للعمل الثقافي يكاد يكون نسيج وحده بين رؤساء الأقسام الثقافيّة. الحدّاد؛ المعلّم الذي تسفع الحرارة وجهه أمام الموقد ولا يشعر به أحد إلا القلة مَن خبروا التجربة عن قرب وعاينوا كيف يستوي الخبزُ الثقافي بأعلى شرطٍ من الالتزام والتضحية ونكران الذات.

كثرةٌ كاثرة من مثقفي ومثقفات من داخل المنطقة الشرقية وخارجها، احتضنَ شاكر الشيخ كلماتهم الأولى ومرانهم التجريبي، دون سابق معرفة أو توطئة. كان البريد يحمل البذرة واللثغة، وشاكر يشتل بذرة الموهبة ويسمح للثغةِ أن تعبر ويمنحها فرصة الارتواء والاستواء وتمام النضج. وفي أغلب الأحوال لم يخب الرهان ولم يندحر التوقع. هناك كمٌّ هائل من الأسماء في الإبداع والنقد وجدوا في "اليوم الثقافي" برئاسة شاكر الشيخ مرتعا خصبا يمارسون فيه اختبار أصواتهم وامتحان الكلمة حتّى تصفو وتشتدّ وتورف بخاصة المنخرطين في مناخ الكتابة الجديدة التي واجهتْ عصفاً ومناوئة من فصيلٍ اجتماعي يتحسّس من الحداثة وإفرازاتها الإبداعية؛ فأثار النقعَ حولها وركّبها مركب الخيانة الثقافية في سجالٍ تصاعد بعد حرب الخليج الثانية وثّقْتْهُ كتابات وأشرطة تنضح بالعدائيّة وبالسموم الفاجرة التي لم توفّر مختلفا؛ نهجَ نهجاً على غير العادة والمألوف.

لم يكن شاكر الشيخ يمارس دور الوظيفة وحدودها التي نعرف. فإذا كان التسيير الثقافي في أبهى صورته وفاعليّته من أبرز الصفات التي انطبعتْ بها شخصية الراحل الكبير، إلا أن ذلك لا يحجب عنّا "الرؤية الثقافية والمجتمعية" التي صاحبته في محطّات عمله إنْ في جمعية الثقافة والفنون بالأحساء.. أو مجلة الشرق.. أو في أربعاء اليوم الأسبوعي.. بما يُعدّ من الصفحات المضيئة الشامخة في مسيرة هذا الرجل:

"وفجأةً يسطع وجهك في ذاكرتي الرمادية

مستقيماً كرأسِ سعفةٍ فتيّة".