تحدثت وسائل الإعلام العالمية المختلفة،على مدى الأسابيع القليلة الماضية، عن حدوث تقدم في المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وبين الجماعات المتمردة المُسلَّحة الرئيسية في أفغانستان. وترافقت هذه التقارير الإعلامية مع أنباء متفائلة أخرى عن نجاح القوات الأميركية وقوات حلف الناتو في القضاء على قيادات حركة طالبان في جنوب أفغانستان.

لا شك أن هذه التقارير، لو كانت تعكس حقيقة ما يجري على الأرض، تبعث الأمل في إيجاد حل للصراع الدائر في أفغانستان وإنهاء مسلسل العنف الذي لم يتوقف منذ سنوات في ذلك البلد. لكن الواقع، بحسب تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" في أكتوبر الحالي، هو أن هناك شكوكا كبيرة تدور حول هذه التقارير المتفائلة القادمة من كابول وواشنطن.

الحروب الأهلية وحركات التمرُّد، مثل تلك الموجودة حالياً في أفغانستان، تنتهي عادة من خلال تسوية يتم التوصل إليها عن طريق المفاوضات بين الأطراف المتصارعة. ولا شك أن الشعب الأميركي الذي تعب من الحرب متحمس لإعادة غالبية القوات الأميركية إلى أرض الوطن، وأن قيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان جعلت الوصول إلى تسوية سلمية أحد أهم أولوياتها تماماً مثل قتال حركة طالبان وتدريب قوات الأمن الأفغانية المحلية. وقد قضى المسؤولون وقتاً طويلاً لتقرير الخطوط الحمراء التي يتوجب على حلف الناتو وحلفائه من الأفغان ألا يتخطوها والمناطق التي يمكن أن يقدموا فيها التنازلات في مفاوضاتهم مع الجماعات المُسلَّحة.

لكن الأفغان ليس لديهم مشكلة في أن يستمروا في القتال في الوقت الذي تجري فيه المفاوضات. والأمر نفسه ينطبق، من الناحية العملية على الأقل، على الولايات المتحدة وحلفائها. فخلال الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة ضد حركات التمرُّد المُسلَّحة في فيتنام مثلا كانت المفاوضات تتم في الوقت الذي استمرت فيه العمليات القتالية دون توقف. لكن الطريقة التي يرى فيها الرأي العام الأميركي الحرب تختلف، فالشعب الأميركي يعتقد أن الحرب تسير بشكل متسلسل: في البداية يكون هناك قتال، ومن ثم تأتي مرحلة التسوية السلمية عن طريق المفاوضات. وكلمة "مفاوضات" تحمل معها أملاً بنهاية الصراع في أذهان الأميركيين، لكنها قد لا تعني أكثر من جولة أخرى من المناورات للحصول على وضع أفضل بالنسبة للقوى السياسية الأفغانية المتصارعة.

يقول تقرير مجلة فورين بوليسي إن الرئيس أوباما ارتكب خطأ عندما صرح علناً أن الولايات المتحدة ستبدأ بالانسحاب من أفغانستان في يوليو 2011. فحركة طالبان والأفغان الموالين للولايات المتحدة، وحتى الشعب الأفغاني، فسروا هذا التصريح على أنه يعني أن الانسحاب الكامل للولايات المتحدة وحلفائها من أفغانستان بات وشيكاً. ولذلك فإن الجماعات المُسلَّحة المتمرِّدة في أفغانستان أصبحت تطمع بالحصول على أكبر قدر من المكاسب، وأصبح التفاوض مع الولايات المتحدة غير ضروري طالما أن القوات الأميركية في طريقها للانسحاب في جميع الأحوال.مُشكلة تنوُّع الجماعات الأفغانية المُسلَّحة المتمرِّدة تُعقِّد مفاوضات التسوية. فمن بين الجماعات المتمرِّدة الرئيسية الثلاث، يمكن القول إن الحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار هو الوحيد المستعد للوصول إلى تسوية مع الحكومة الأفغانية. لكن الحزب الإسلامي قد يكون أقل الجماعات المتمردة المُسلَّحة أهمية، وقد لا يسمح لحكمتيار نفسه بلعب دور حقيقي في أي حكومة أفغانية قادمة. أما الشبكة التي يقودها سراج الدين حقاني فهي ترتبط بعلاقات قوية مع تنظيم القاعدة وتُعتبر متشددة إلى حد كبير، وشورى طالبان في كويتا لن تقبل الوصول إلى تسوية إلا إذا وافق الملا عمر نفسه على عملية المصالحة.

كل هذا يفترض أن الجماعات الأفغانية المُسلَّحة لديها قرار مستقل. لكن الواقع الذي يعقد الأمور أكثر هو أن المفاوضات بين هذه الجماعات والحكومة الأفغانية لن تتقدم إلا بقدر ما تسمح لها الاستخبارات الباكستانية بذلك.

إن تاريخ الحروب الأهلية وحركات التمرُّد العالمية يبيِّن أن الوصول إلى تسوية عن طريق التفاوض – دون تنفيذ عمليات أمنية تمهد الطريق لهذه المفاوضات- أمر بعيد الاحتمال. الطريقة التي فرض من خلالها الجيش الأميركي سيطرته على بغداد عام 2007 أجبرت بعض الجماعات السُنيَّة المُسلَّحة على الانضمام إلى قوات الأمن ووفرت الزمان والمكان للتحرك إلى الأمام.

لكن تقرير فورين بوليسي يرى أن هناك بعض الأمل. فمع أن أنباء القضاء على طالبان في جنوب أفغانستان لا تستند إلى أدلة قوية، إلا أن القوات الأميركية تحاول أن تكرر نجاحها الذي حققته في العراق عام 2007 – بتدمير المستوى القيادي المتوسط للجماعات المٌسلَّحة بحيث يجعلها تضعف وتنهار في النهاية. لكن هناك غموضاً يلف ما يجري في جنوب أفغانستان لأن الصحفيين لا يسمح لهم بالوصول إلى مناطق العمليات العسكرية، وتبقى هناك تساؤلات دون إجابة: هل انتظرت القوات الأميركية فترة أطول من اللازم لشن الهجوم على طالبان؟ هل الانخفاض الحالي في عدد الهجمات المُسلَّحة التي تقوم بها جماعات التمرُّد يختلف عن الانخفاض الموسمي العادي الذي يسبق حلول فصل الشتاء؟ هل تدهور حركة طالبان سيجبرها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات؟ وهل لاحظت حركة طالبان أن القوات الأميركية لن تنسحب في الواقع في يوليو 2011؟

قد يكون الوقت مبكراً لمعرفة الإجابات على هذه التساؤلات.