التلفزيون أو صندوق الدنيا ذلك الجهاز الذي ألهم الإنسان وقربه من بعضه البعض، وصنع نقلة نوعية على كل المستويات الحياتية واليوميات، وقدم للإنسان أكبر الخدمات التي جعلت عالمه صغيراً وكبيراً في نفس الوقت. وقد تفنن التلفاز في تصميم شكل المجتمعات وتقديمها على طريقته في الكثير من الأوقات. وتطلب لإنجاز ذلك الأمر توفر نخب جيدة من الكفاءات ذات كاريزما مؤثرة في المتلقي لتنجز مهمة الوصول لقلب وعقل المشاهد بنجاح. ومن ضمن أهم المتعارف عليه في اشتراطات الظهور التلفزيوني كمذيع عند معشر خبراء الإعلاميين هو توفر الخامة الصوتية القوية، وسرعة البديهة بالدرجة الأولى، والمظهر الحسن بالدرجة الثانية. وحين يلتقي الاثنان مع الثقافة والثقة وحسن التصرف. نكون في الواقع قد حصلنا على أكثر من 80% من متطلبات وشروط المذيع الناجح الأنموذج. وتاريخ التلفزيون السعودي حافل بالعديد من القامات الإعلامية التي تركت بصمتها على خارطة الإعلام العربي، وحفرت في ذاكرة كل مواطن سعودي وعربي أجمل وأقوى الذكريات التي لا تنسى. وعلى الرغم من تواري تلك القامات عن الأعين والآذان، إلا أنها لم ولن تغيب قطعاً عن الوجدان الإنساني. لأن جوقتهم تركت انطباعاً جميلاً ومثيراً يشبه الخلود ويصعب نسيانه بسهولة. فتعالوا قليلاً لنتذكر على سبيل المثال لا الحصر جيل الرواد، جيل الأساتذة، جيل عمالقة الإعلام السعودي المرئي في ثمانينيات القرن الماضي الميلادية. تعالوا معي لنمارس لذة التذكر البهي ونقرع أبواب بعض من أثروا فينا، وعلمونا كيف يجب أن نكون. تعالوا معي لنقرع باب صاحب أجمل إطلالة على الشاشة الفضية في تاريخ التلفزيون السعودي المذيع الرائع الأستاذ (ماجد الشبل) ذلك الذي نقش في تاريخ ذاكرتنا جميعاً صوته وعبقريته وثقافته ولغته الواثقة وإطلالته البهية في النشرات الإخبارية ومجلة التلفزيون وبرنامج حروف.. و(العين بعد فراقها الوطنا .. لا ساكناً ألفت ولا سكنا). لم يكن ماجد الشبل إلا أنموذجاً حقيقياً لخامة المذيع العملاق بكل ما في الكلمة من معنى. تعالوا معاً نتذكر قامة مذيع كبير بحجم ورزانة الأستاذ (حسين نجار) الذي لن يبارح صوته ولكنته الحجازية ذاكرة الإنسان السعودي والعربي مطلقاً، كيف لا وهو العملاق الذي ارتبط صوته بمكة والمدينة والكعبة ودعاء السفر على الطائرات السعودية.
تعالوا نتذكر مذيعين عمالقة قدمهم التلفزيون السعودي ذات زمن كـ(سليمان العيسى، وغالب كامل، وعوني كنانة، وأمين قطان، وسبأ باهبري، وحامد الغامدي) وغيرهم من كبار المذيعين المبدعين الذين كتبوا بمواهبهم وذكائهم تاريخاً لن يُمحى ولن يتكرر كمجموعة على المدى القريب أو البعيد حتى، مع كامل احترامي وتقديري لكل الموجودين حالياً على ساحة الشاشة الفضية في التلفزيون السعودي. لكنني على ثقة بأن أرضاً أنجبت مثل أولئك العظماء مازالت تعد بالكثير من المبدعين الذين سيتركون بصمة أخرى في تاريخ الإعلام السعودي المرئي. هؤلاء العمالقة نتذكرهم نحن معشر الجمهور المتلقي بكل حب وتقدير، ونحفظ لهم في ذاكرتنا أجمل اللحظات بل ونفخر أحيانا كثيرة بحضورنا زمنهم الذي أبدعوا فيه. وأجدني أعاتب وزارة الثقافة والإعلام، التي تتجاهل بكل أسف تكريم مثل هؤلاء المبدعين الذين وهبوا تاريخ التلفزيون السعودي ما لم يهبه غيرهم حتى الآن. وأتساءل هل عجزت الوزارة عن القيام بتذكير الجيل الحالي بمثل أولئك الكبار.
الأربعاء الفائت حضي مجلسي المتواضع بحضور ثقافي وإعلامي جيد افتقدته منذ زمن. وكان من ضمن الحاضرين المذيع التلفزيوني الأستاذ (موسى محرق). وهذا الأخير ما فتئ يذكرني بجيل عمالقة المذيعين السعوديين كخامة قل إيجاد مثيل لها في وقتنا الحالي. موسى محرق هو (بشارة أحمد التيهاني) الإعلامي اللامع، فهو مكتشفه الأول الذي دفع به إلى واجهة العمل الإعلامي المرئي، إلا أنه ليس عرابه، وكم تمنيت أن يكون. لكنه بكل تأكيد قدم موهبة فذة سيشكره الكثير من المنتمين للوسط الإعلامي على حسن اقتناصه لها، شخصياً أعتبر مثل موهبة هذا الشاب اللطيف فرصة يجب ألا تضيع على التلفزيون السعودي لإنعاش روحه من جديد، وليؤكد للجميع بأنه مدرسة وليس مؤسسة إعلامية فقط.