ما الكتاب الوحيد الذي تحمله لو اضطررت لذلك في رحلة منفردة؟
فعلا إنه سؤال؟ فماذا يقول الإنسان فيما لو اضطرته الظروف أن يختار كتابا واحدا كما جاء في فيلم ما بعد الغد؟
أو مجموعة محدودة من الكتب؛ فماذا يحمل معه في هذه الرحلة الفريدة التي يتزود فيها؟
في القرآن (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب)، فبماذا يتزود الإنسان لو دخل في هذه المعمعة؟
أذكر لهذا السؤال جوابا عند عالم المحابيس والسجون فأول شيء يطلبه هو القرآن لأنه خبر ما قبلكم وغيب ما بعدكم وعلم ما تجهلون ويقين ما تخافون وطمأنينة ما منه ترتعبون.
وتجربتي الشخصية في هذا بالغة وهي حكمة فقد كان قرآني في صدري كما ينقل عن ابن تيمية قوله ماذا يفعل بي أعدائي فقتلي شهادة ونفيي سياحة وسجني خلوة وبستاني في صدري.
وهذا الكلام يصدق على المسلمين ولكن لنكن صريحين ونواجه السؤال خارج نطاق التسليم والشيء المتعارف عليه.
ماذا يكون لو وجهنا السؤال إلى امرأة ألمانية أو رجل كندي غير مسلم؟ والجواب أننا لم نقم بمسح لمثل هذا السؤال ولكن علينا أن نقر أننا لن نفاجأ إذا كان جوابه غير القرآن.
وفي فيلم ما بعد الغد وهو فيلم حاولت فيه هووليود تصور برد محيق أحاط بالشمال؛ فغرقت أمريكا في الثلوج، وانتهت الحضارة في برد خمسين تحت الصفر، ولجأ فريق من الطلبة إلى المكتبة العامة في نيويورك التي تضم ملايين الكتب، وحاولوا التدفئة بها من خلال حرق الكتب فما الكتب التي سيبقونها فلا يحرقون؟
لقد واجهت المعضلة الطلبة فاحتاروا بين أناس فضلوا كتب الحكمة أو الفلسفة أو العلم، واختلفوا جدا عند فلسفة نيتشه!
وحاليا هناك جهود جبارة لحفظ كل التراث الإنساني من كل العلوم والفنون في الجبال، كما هو في مشروع فرايبورج الألماني في جبال بافاريا، على فرض أن الأرض تدمرت بقوى ذاتية مجنونة أو بضرب مذنب خارجي كما حدث قبل 65 مليون سنة فانتهت الحياة في معظمها وبقيت الثديات الصغيرة التي تابعت الحياة..
بل هناك تفكير بوضع نسخة إضافية على سطح القمر!
نرجع إلى السؤال من جديد وأقول إنه ربما يكون السؤال الأصعب ما الكتب التي يجب أن نحافظ عليها ونبقيها؟
وفي خطتي لذخائر الفكر الإنساني محاولة متواضعة للجواب على هذا السؤال في وضع خطة إنقاذ للثقافة في حدود بضع مئات من الكتب والله أعلم..
ويبقى القرآن هو الكتاب المنفرد الوحيد الذي سوف أختاره أنا شخصيا من بين كل الكتب، فإذا أعطيت أوراقا وقلم رصاص وبراية ومحاية كما حصل معي في سجن الحلبوني سأكون ممتنا وأغرق في القرآن ومعلوماتي وحديقة الذاكرة فأكتب ما تعلمته في نصف قرن.
وهي قصة تذكر بما كتب جواهر لال نهرو الذي كتب إلى ابنته انديرا غاندي مجموعة من الرسائل من ذاكرته تحولت لاحقا إلى كتاب لمحات من تاريخ العالم وهو من الكتب المبكرة التي قرأتها وأنا شاب يافع فاستفدت منها.