في نهاية تسعينيات القرن الميلادي الماضي تدهورت أسعار النفط فواجهت الحكومة صعوبة في توفير الدعم لمرفقي الكهرباء والماء بما يوازي الطلب المتنامي عليهما.

ولأن الحاجة أم الاختراع فقد تفتقت أذهان المسؤولين في ذلك الوقت عن فكرة خلاقة اسمها (مبادرة عبدالله بن عبدالعزيز للغاز) تهدف إلى جذب الشركات العالمية الكبرى في مجال النفط والغاز نحو احتياطيات الغاز غير المكتشفة الواقعة في المناطق النائية بالمملكة، والتعاقد معها للقيام بأعمال الاكتشاف واستخراج الغاز وإقامة محطات كهرباء وتحلية مياه عملاقة تعتمد على الغاز، وبيع إنتاجها من الكهرباء والغاز بسعر ثابت ومحدد سلفاً إلى شركة الكهرباء ومؤسسة التحلية بما يفي باحتياجات المملكة من هذين العنصرين الحيويين على مدى السنوات الخمس والعشرين القادمة. تجاوزت هذه المبادرة مرحلة توقيع مذكرات التفاهم التي جرت في احتفال دولي في مدينة جدة منتصف عام 2001م، ولكنها ضمرت شيئاً فشيئاً لأسباب غامضة حتى اختفت.

ومع عودة انقطاع الكهرباء وشح الماء ظهرت الحاجة إلى إيجاد وسائل لتوفير التمويل الهائل الذي يحتاجه هذان المرفقان، فقد نشرت الصحف أخباراً عن تشكيل لجان حكومية لهذا الغرض.

ويبدو أن الخيارات تكاد تقتصر على نوعين من التمويل هما: التمويل الحكومي والتمويل الخاص. وإذا استُبعد التمويل الحكومي لآثاره السلبية على كفاءة الإدارة فإن التمويل الخاص يستلزم وجود بيئة قانونية قادرة على إقناع الممولين بزوال أو ضعف المخاطر القانونية المتمثلة في تأخير تسديد الدين، وعلى وجه الخصوص وجود سلطة قضائية حاسمة وسريعة للتعامل مع أية مماطلة أو تأخير في الوفاء بالدين وأرباحه في الوقت المحدد ، لأن عامل الزمن يُعد عنصراً حاسماً في جدوى نشاط التمويل. ومع الأسف فإن هذه الخاصية غير متوفرة في القضاء السعودي الآن، كما أن الأنظمة الحالية لا تدعم آلية التوريق المعروفة التي تشتمل على إنشاء شركة أغراض خاصة SPV تتملك الأصل محل التمويل، كمحطات الكهرباء والتحلية، وتُصدر مقابله صكوكاً يشتريها الممولون بضمان ذلك الأصل، ولذا لم تنجح محاولات قطاعي الكهرباء والماء في جذب ممولين لأنشطتهما. وعندما احتاجت الخطوط السعودية قبل عدة سنوات إلى شراء طائرات بثمن مؤجل بضمان تلك الطائرات لجأت إلى قوانين جزيرة (كايمون آيلند) البريطانية لإنشاء شركة الأغراض الخاصة التي حُولت إليها ملكية الطائرات محل التمويل. الخبر الجيد في هذا السياق هو أن منظومة الرهن العقاري المنتظر صدورها أعدت لكي تتلافى صعوبات التمويل ليس فقط للمساكن وإنما أيضاً للأصول الثابتة وغير الثابتة.