ذهب أستاذ الفلسفة بجامعة دمشق المفكر الدكتور الطيب تيزيني إلى أن العرب يعيشون اليوم حالة "حطام"، مشيرا في محاضرته التي ألقاها أول من أمس بعنوان "العرب من سؤال النهضة إلى سؤال الوجود" ونظمتها هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث في قاعة المحاضرات بالمسرح الوطني إلى أن رأيه هذا قابل للنقاش.

ويرى تيزيني أن مقولة "التاريخ أغلق" أو "انتهى" التي أطلقها كثر ماتوا دون أن يدركوا أن نظرياتهم خاطئة وزائفة، وأن الإشكالية الكبرى لدينا - على حد تعبيره - هي القراءة السلفية التي تعتقد باستدعاء التراث صافياً دقيقاً، وهذا قصور معرفي ووهم أيديولوجي، ويصح هذا أيضاً على القراءات الماركسية والليبرالية للتراث.

من هنا يقول تيزيني: يمكن الانطلاق لفكرة التأسيس للمشروع النهضوي الذي يستدعي مجموعة من العناصر "فالمشروع لا ينشأ من صفر، إنه ضمن السياق التاريخي".

ونفى تيزيني فكرة أن "النهضة العربية" حدثت في القرن التاسع عشر، مشيراً إلى أن نابليون قدم صدمات على هذا التاريخ فـ"الغزاة لا يصنعون حضارات ونهضات"، ومشروع محمد علي بدأ مبكراً وكان ينظر إلى المستقبل، وسوّق مشروعه إبراهيم باشا من بعده.

المحاضرة التي أدارها الناقد الدكتور محمد ولد عبدي تطرق خلالها تيزيني إلى العولمة قائلاً إنها ظهرت في العقد الأخير من القرن العشرين في جو من الجلبة العسكرية والسياسية المحمومة، على صعيد العالم، فكانت ولادتها، شاهداً على عصر جديد دموي، فلقد جاءت حرب الخليج الثانية مع نتائجها المدوية بمثابة إشارة إلى دموية ذلك العصر، ومن ثم ربما إلى نهاية السياسة، أما تفكك الاتحاد السوفيتي فقد أتى مواطأة على ذلك، وتأكيداً على أن العالم لم يعد يحتمل "جبلين" اثنين، إلى أن أظهرت ثورتا الاتصالات والمعلومات التي أعلنت ولادة "قرية كونية واحدة".

وأشار تيزيني إلى أننا "في مواجهة التحديات الكبرى والمركبة، نرى أن هنالك مجموعة مداخل قد تسمح بتحقيق بنية عربية متماسكة ومتوازنة، وأن هذه المواجهة لا تعني القطيعة مع الغرب، بل إن ما نفهمه في إطار هذه المسألة إنما ينطلق من أننا نعمل على الإفادة العظمى من تقدمه الاقتصادي والعلمي الهائل، ونحاول أن نعقد صلات عميقة مع الغرب المناهض للهيمنة العولمية، محققين بذلك فعلاً هادفاً، إلا أن ذلك مرهون أولاً وثانياً بإعادة بناء الداخل العربي عبر تلك المداخل التي نلخصها بالديموقراطية، وبخلق حالة من التوازن في الثروة الوطنية والقومية، وكذلك بمواجهة الثقافة الظلامية التي تنكر "الآخر" بثقافة تنويرية متقدمة، وأخيراً عبر خلق جسور عميقة بين الأطراف العربية وبصيغة تطبيع عربي - عربي يكون من مقتضياته إنتاج حالة صحية وعميقة من التضامن العربي"، وأشار في هذا السياق إلى أن "النظام العولمي أدخل العرب في متاهة كبيرة وكأنهم أصبحوا أمام بنية تاريخية مغلقة، وهو لا يشاطر مقولة فوكوياما حول نهاية التاريخ لأن التاريخ لا يمكن أن يُغلق، ولكن مشكلة العرب أنهم لا يملكون مفاتيحه بسبب غياب الحامل الاجتماعي الذي يقود النهضة".

وكان المحاضر الذي اختير من قبل مؤسسة "كونكورويا" الفرنسية الألمانية الفلسفية واحداً من أبرز 100 فيلسوف في العالم، قد تناول مسألة أدوات قراءة التراث ليكون أحد عوامل النهضة، وقال إن هذه القراءة خاضعة للأيديولوجيا ويستحيل التخلص من هذا المنطلق، وأضاف: إنها حالة بشرية لا يمكن التخلص منها، وتبعاً للمنطلق الأيديولوجي، فإن أية قراءة للتراث هي في الواقع قراءة صاحبها وليست التراثَ نفسه، والإشكالية الكبرى هي القراءة السلفية التي تعتقد باستدعاء التراث صافياً دقيقاً، وهذا قصور معرفي ووهم أيديولوجي، ويصح هذا أيضاً على القراءات الماركسية والليبرالية للتراث، مشدداً على أن العودة إلى التراث الآن لا بدَّ أن تتم وفقاً لمقتضيات العصر الذي نعيشه.

وختم المحاضرة بالدعوة إلى إقرار الديموقراطية والتعددية بمعناها الواسع، باعتبارها "الوريث الشرعي" من أجل توفير المناخ المناسب لتأسيس المشروع النهضوي العربي، الذي أكد أنه يستند إلى ثلاثة "حوامل"، الحامل الاجتماعي أي القوى الوطنية والاجتماعية بمختلف توجهاتها ومشاربها، والحامل السياسي، والحامل الثقافي، والمقصود الثقافة الوطنية أو القومية المفتوحة التي تعترف بالجميع.