المراقب للمشهد السعودي في العقد الأخير يدرك وبوضوح ولادة المشروع الحقوقي بقيادة خادم الحرمين الشريفين، من اعتماد إنشاء جمعية حقوق الإنسان الخاصة، وهيئة حقوق الإنسان الحكومية، والانفتاح الإعلامي على مستوى الصحافة، وترشيح المملكة لدورتين متتاليتين لتكون عضواً أساسياً في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من 2006م وحتى 2012م، وانضمام المملكة لكثير من الاتفاقيات الدولية، وإقرار برامج لنشر ثقافة حقوق الإنسان في كافة القطاعات الحكومية والأهلية، كل ذلك من أجل تعزيز حماية حقوق الإنسان.

إن السؤال الذي يفرض نفسه: ما هو سر التراوح والتثاقل في الحركة الحقوقية في مجتمعنا السعودي، مع أن القيادة الرشيدة تجعل حماية الحقوق هدفاً إستراتيجياً كما جاء في الخطة الخمسية التاسعة؟

الإحصاءات تشير إلى أن نسبة 94% من مجتمعاتنا تجهل ثقافة حقوق الإنسان! مع أن أول خطوة في طريق حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها؛ هو التعريف بتلك الحقوق، ونشر ثقافتها، ذلك أن الكثيرين في مجتمعاتنا لا يعرفون الحقوق التي لهم والتي عليهم تجاه الآخرين، فلا يطالبون بما لهم، ولا يلتزمون بما عليهم، بسبب الجهل وانعدام المعرفة.

وليكن السؤال الحقيقي: من هو المسؤول عن هذا الضعف الثقافي؟ هل المسؤولية ملقاة فقط على عاتقي الجمعية والهيئة؟ ماذا صنعت الأجهزة الحكومية إزاء نشر الثقافة الحقوقية؟ إنني أتصور بأن الجمعية والهيئة تتحركان بكل إمكاناتهما في الدفاع عن حقوق الإنسان، ونشر الثقافة الحقوقية (وبالعامي ماهي ملحقة) فهي ترصد وتوثق كافة الانتهاكات، وتدون التقارير، وتقوم بعمل المحاضرات والندوات، ولكن المشكلة الرئيسة تكمن في تقاعس وتجاهل مسؤولي القطاعات الحكومية لهذه الثقافة، وكذلك ضعف تعاونها مع المؤسسات الحقوقية!

فعلى صعيد التعليم أين هي المبادرات الحقوقية لإدارات التعليم في المملكة؟ أين هي مناهج حقوق الإنسان الموعودون بها منذ سنوات؟ أين الأنشطة الحقوقية اللاصفية؟ ما مسؤولية مؤسسات التنشئة الاجتماعية؟ ثم ماذا عن الإعلام المرئي؟ أليس التليفزيون هو الأنسب لنشر الثقافة الحقوقية؟ لماذا يتم الاكتفاء فقط بمجرد الندوات والمحاضرات؟ لماذا الإعلام الصحفي هو فقط من يتصدى للانتهاكات؟ أين الأجهزة الحكومية التي تفاعلت مع قرار خادم الحرمين الشريفين في وضع إستراتيجية لنشر ثقافة حقوق الإنسان؟ أين هو القطاع الذي بادر بوضع مدونة محددة خاصة بالحقوق، يعرف من خلالها الناس حقوقهم بشكل لا لبس فيه، لتكون مقياساً لكشف التجاوزات والانتهاكات الحقوقية؟ لماذا إذا جاء أحد المواطنين بعمل مقترح لبرنامج حقوقي يأتي الجواب من المسؤول الحكومي وبكل بيروقراطية إدارية منتفخة: "هناك جهات حقوقية مخولة بعمل هذه البرامج"! في محاولة منها للتنصل من المسؤولية ورميها إلى الجهات المختصة.

في المجتمعات المتقدمة تجد أن المسؤولية الحقوقية ليست محصورة في الجهة المختصة بل هي نظام حياة على كافة الأصعدة: في مناهج التعليم، والتنشئة العائلية، في برامج الإعلام، ونظام العلاقات المهنية، في كافة القطاعات الحكومية والخاصة، وفي صيغة أي تعامل أو تعاقد بين طرفين.

إذن لماذا هذه الممانعة والسلبية في طريقة التفكير؟ ولماذا يتم التركيز فقط على واجبات الموظف دون التركيز على حقوقه؟ هل لازال هاجس الخوف والتمرد هو المسيطر على عقلية المسؤول وما يتبعه من نظام الهيمنة على طريقة التأكيد على حقوق المعلم دون تبيين حقوق الطالب؟

إنني أقول لكل وزير ومسؤول: إن عليكم أن تسألوا أنفسكم ما الذي أضفتموه لتعزيز هذه الحقوق لإبراء ذممكم أمام الله سبحانه وتعالى؟ ماهي إسهاماتكم الحقوقية في تحقيق رؤية الملك في حماية وصيانة وتعزيز حقوق الإنسان؟