حين ترتاد عددا من أسواق الماشية بالرياض, ستسمع بين الحين والآخر أصوات "المحرّجين" وهم يردّدون بمكبرات الصوت " قصّابة ... قصّابة ... قصّابة" وماهي إلا ثوان حتى يجتمع حولهم عدد من العاملين في محلات الملاحم "القصّابة" وبعض عمالة المطاعم لمعاينة ما يعرض في المزاد, لتصطدم بمنظر المعروض من أغنام هزيلة شارفت على النفوق ولم يتبق منها إلا "جلد وعظم" وتباع بمبالغ زهيدة, يظفر بها العمالة ويقتادونها بحذر بالغ لسياراتهم أو لـ"قصاّب" غير نظامي لذبحها وسلخها لتكون بعد ساعات معروضة بـ"الكيلو" في الملاحم, أو كوجبات "كباب وشاورما" في بعض "مطاعم المشاوي".

وتتكرّر هذه الصورة اليوميّة في أسواق الماشية, حيث لا يكاد يمرّ يوم دون عرض مثل هذه الأغنام بقسميها "الضأن والمعيز" التي يجلبها للسوق البعض ممن فقدوا ضمائرهم، ويقبل عليها "زبائن خاصّون" مستغلين رخص أسعارها لتكون "صحة المستهلك" آخر اهتماماتهم.

وفيما أكدت أمانة الرياض كشفها لمثل هذه الحالات التي وصفتها بأنها "قليلة جدا" وتطبق الأنظمة بشأنها, إلا أن عددا من المواطنين قالوا إنها كثيرة وإنها تتكرر فى معظم أسواق الأغنام بالرياض.


"عيانا بيانا"

ولكشف مثل هذه الحالات زارت "الوطن" سوق الأغنام الواقع على مشارف حي النظيم شرق الرياض أكثر من مرّة, واختارت ذروة المزاد اليومي في الصباح الباكر أيام الخميس والجمعة, ووقفت على مثل هذه الأغنام التي تعرض عيانا بيانا في "مرابط" الأغنام داخل السوق.

ففي الزيارة الأولى وحين قامت الصحيفة بتصوير عدد من أغنام هزيلة معروضة في المزاد تراجع العمالة الذين كانوا متحلّقين حولها لشرائها، وغادر بعضهم السوق مرتبكا، فيما لم يأبه آخرون واستمروا في مزادهم حتى اشتروها بثمن بخس واقتادوها مغادرين السوق.

وحين حاولنا تتبّع أحدهم بعد الشراء لمعرفة وجهته ومواقع الملاحم والمطاعم التي يتعامل معها، كان العامل حذرا وأودعها لدى أبناء جلدته في أحواش قريبة من السوق لذبحها ربما لاحقا, فيما يقوم آخرون بتحميل بضاعتهم ويغادرون مسرعين قبل اكتشاف أمرهم من الفرق المختصة بأمانة الرياض. وحين سألتهم " الوطن " : أين تذهبون بها، ولماذا تغشون الزبائن بلحوم غير صالحة، وأين هي محلاتكم؟ ارتبك عدد منهم ولم نجد منهم إجابة وغادروا إلى جهات متفرّقة.


صورة متكررة

وقال عدد من مرتادي السوق ومنهم المواطن عيضة المسيلي لـ"الوطن"، إن هذه الصورة تتكرّر بشكل دائم في السوق حيث تجلب هذه الأغنام الهزيلة للسوق وتباع بأسعار منخفضة جدا تتراوح بين 80 و150 ريالا وتبدو في وضع صحي سيىء للغاية وبعضها لا تقوى على النهوض ومع ذلك لا تبقى في السوق إلا وقتا قصيرا قبل أن يشتريها عمالة ويغادروا بها المكان, في حين يضبط بعضها من قبل فرق الأمانة قبل بيعها في السوق.

وحول مصدر هذه الأغنام قال المسيلى، إن أصحابها يتنوّعون بين مواطنين وعمالة تعمل في أحواش تربية المواشي وحين تظهر بوادر الهزل والمرض على أغنامهم يجلبونها للسوق للتخلّص منها بأي سعر تقف عليه في المزاد.

وأشار المواطن عبدالله العنزي إلى أنه بعد مشاهدته لهذه الأغنام في الأسواق وتهافت القصّابة وعمال المطاعم على شرائها قرّر ألا يشتري لحوما مجهولة وألا يتناول وجبات اللحوم من المطاعم والبوفيهات، وعندما يضطر سيطلب وجبات الدجاج كون التلاعب فيها محدودا, لافتا إلى أن بعض القصابين يغشون زبائنهم بدسّ لحوم الأغنام الهزيلة مع اللحوم النظامية التي يجلبونها بعد سلخها في المسالخ النظامية, كما أن وجبات الشاورما والكباب في بعض المطاعم لا تخلو من هذا الغش للحصول على الكسب المادي على حساب صحة المستهلكين.

وفي سياق متصل، رفض عدد من أصحاب الملاحم التعليق على الموضوع واكتفوا بأنهم يجلبون الأغنام من الأسواق ويذبحونها في المسالخ النظامية بعد الكشف عليها من البيطريين وختمها بختم المسلخ.





أمانة الرياض تؤكد

ولمعرفة الحقائق من مصادرها الرسمية، توجهت " الوطن" إلى أمانة منطقة الرياض التي أحالت استفسارات الصحيفة لأكثر من إدارة منها "الأسواق" و"صحة البيئة"، وجاء الرد مؤكدا اكتشاف مثل هذه الحالات التي وصفتها "الأمانة" بأنها قليلة جــدا ويطبق بشأنها التعليمات حسب الأنظمة.

وحول الإجراءات التي تتخذ للتأكد من صلاحية اللحوم المستخدمة في المطاعم، قالت الأمانة إنه يتم فحص الذبائح واللحوم بشكل عام وفق دليل الكشف البيطري على اللحوم الصادرة من الجهات المختصة, حيث يتولى الطبيب البيطري الكشف على الذبائح بالمسلخ قبل توزيعها على منافذ البيع للتأكد من سلامتها للاستهلاك الآدمي من خلال فحص الغدد اللمفاوية والأعضاء المختلفة والتأكد من خلو الذبيحة من التغيرات, سواء في اللون أو الرائحة أو الشكل, أما في المطاعم فتتم متابعة نقل وتداول وتجهيز وحفظ اللحوم للتأكد من صلاحيتها, بالإضافة للأعمال الصحيّة التي يقوم بها المراقبون الصحيّون في مدينة الرياض بشكل يومي للتأكد من صلاحية ما يقدم للمطاعم والمطابخ والوجبات السريعة والمحلات وغيرها.

وعن العقوبات التي تتخذ ضد المطاعم المخالفة قالت الأمانة، إنها تطبق لائحة الغرامات والجزاءات على المطاعم وغيرها من المحلات المتعلقة بالصحة العامة, وفقا ً للائحة الغرامات والجزاءات عن المخالفات البلدية الصادرة بقرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 6 /8 /1422.

وحول إجراءات حماية المستهلكين من غش بعض العمالة، ذكرت الأمانة أنه في حال كانت المادة الاستهلاكية التي يتم ضبطها فيها غش أو تلاعب بالبطاقة التعريفية فإنه تتم إحالة المخالفة للجنة ضبط الغش التجاري بوزارة التجارة وذلك بعد أن تقوم الأمانة بتطبيق ما لديها من أنظمة بحق المخالفين حسب لائحة الجزاءات عن المخالفات البلدية، مثمّنة الدور الذي يقوم به المواطنون والمقيمون في الإبلاغ عن أية مخالفة تضر بالمصلحة العامة.