ينقل عن إبراهام لنكولن في صفحه عن أهل الجنوب أن امرأة اغتاظت ولم ترض إلا قتلهم!

قال لها ألا ترين أنني قضيت عليهم حين دفعت السيئة بالحسنة وكسبت قلوبهم وأخمدت عداوتهم..

إن عكس هذا حصل ويتكرر في سوريا بكل أسف..

مع كتابة هذه الأسطر تكون مدينة حماة في قلب العاصفة، وهي تواجه قدرا يذكر بجرح غائر قديم، وهذا يفتح الباب على الأخطاء التاريخية، ففي شتاء عام 1982 تمت محاصرة المدينة وتدمير نصفها وقتل عشرات الآلاف من أبنائها، ولا ندري مع كتابة هذه الأسطر هل تنجو من مذبحة جديدة أم تعيد الأيام دورتها ونرى ما فات عنا رؤيته في ثمانينات القرن الفائت؟

لا ندري؟ دعنا نخرج من حفلة التشاؤم ولنتفاءل بالخير الإنساني.

أذكر جيدا من مجلة در شبيجل الألمانية وكذلك ما قاله برتراند راسل في كتابه النظرة العلمية أن بسمارك لو لم يولد ما ولدت الوحدة الألمانية ولا حرب عام 1870 بين فرنسا وألمانيا وما مات 170 ألف شاب على الجبهة! أو هكذا يزعمون.

أما في مجلة الشبيجل فقد ذكروا مجموعة من الرجال وأثرهم في التاريخ بحيث إنهم لو لم يولدوا أو قضي عليهم، ما كانت ثمة نهضة أوروبية وحداثة وناهضون!، وهذا يعيدنا إلى مربع هل الأشخاص هم من يستولدون الحضارة أم العكس؟ أم هي حلقة دورانية؟

يحضرني الشيخ زايد من الإمارات، فقد مات الرجل بدون عداوات، ويقولون نفس الشيء عن الملك حسين إنه لم يشنق أحدا وكان يعفو عن خصومه.

وبالنسبة للأسد يحضرني نفس السؤال لماذا فعل ما فعل؟ ولماذا دمر المدينة الأثرية وعلى طريقة تذكر بهولاكو وتيمورلنك الذين يرتبط اسمهم بالفظاعات كما نقل عن بول بوت وصدام، وحاليا القذافي الذي سيسلم ليبيا أنقاضا؟

لماذا حمل ستالين الشعب الشيشاني بأكمله فألقاه في برد سيبيريا في البراري بين الدببة؟

إنه من السهل استسلام الإنسان لغرائزه البدائية، ولكن الروعة كل الروعة في الإنسان أن يصعد فوق مشاعره الآنية ويميل إلى النظر في المستقبل ويرحم وطوبى للراحمين لأن الله يرحمهم.. كما جاء في قصة الملك الهندي السلامي آشوكا الذي فتح مستشفيات للقطط والكلاب بعد أن عفا عن العدو فحوله إلى ولي حميم..

يروى عن صلاح الدين الأيوبي حين حضرته الوفاة أنه حذر أولاده من الدماء قائلا إن الدماء لا تنام.

أما يعقوب فقال لأولاده حين حضره الموت ما تعبدون من بعدي؟ كان هذا أهم شيء عنده من العقارات والمال والحرث والأنعام!

ما تعبدون من بعدي؟

وحاليا كتب روبرت فيسك ينقل عن (نيكولاوس فان دام) الهولندي الذي درس تركيبة النظام السوري الذي أنشأه الأسد بعد مذبحة حماة وقبلها لينتهي إلى جملة مأساوية هي أن تلك البذور هي التي نبتت وأخرجت جيلا ثانيا يتجمع في نصف مليون إنسان ويهتف بسقوط النظام السوري..

لعل قائلا يقول أين عيناك يا حافظ الأسد لترى حصاد ما زرعت يداك، من نصبك وتماثيلك وآثارك وأبنائك المذعورين الذين تحولوا إلى قتلة؟

وكان الأصح الذكرى الطيبة بدون لعنة الحكم والكرسي..

إن كرسي الحكم أحيانا يتحول إلى كرسي الحكم بالإعدام بالكهرباء!

أليس كذلك؟