تتصدر زجاج الكثير من السيارات عبارات مختلفة وجمل قصيرة تفنن الشباب في اختيار كلماتها، لتظهر متنوعة بين الحكمة، وذكر الله، والأدعية، والشعر، إلى كتابة البريد الإلكتروني، وعبارات عرض السيارات للبيع مصحوبة برقم الهاتف "الجوال" بقصد التعارف حينا، وللتسلية مرة أخرى.
ولا تخلو تلك العبارات من طرائف تظل عالقة في ذهن قارئها لبرهة من الزمن، ولعل هذا العمل مستساغا في أغلب دول المنطقة، إذ يتناقل الكثير من السائحين ما احتوته تلك الجمل من بلد إلى بلد، ومن منطقة إلى أخرى.
عين حاسد
"الوطن" رصدت العديد مما دونته الأيادي من كلمات على سيارات متعددة، اختار صاحب إحداها عبارة أعجبته، ووضعها على زجاج مركبته بعد أن شاهدها على سيارة أخرى في دولة مجاورة، وهي عبارة "عضة أسد، ولا نظرة حسد"، والتي أعجب بها كثيرا، لأنها تناسبت مع ظرف معين كان يعيشه، بعد أن عانى من كثرة أعطال سيارته، وربما لأن عين الحاسد كانت مسلطة عليها ـ على حد تعبيره ـ وهو بذلك يذكر بأن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ويضر الناس.
اهتمام خاص
بينما يؤكد المواطن علي الغافلي أن "هذه العبارات من اهتمامات الشباب وأصحاب الشاحنات، وكثيرا ما نشاهدهم خلال سفرنا من بلد إلى آخر، ولعلها تكثر في شاحنات بلاد الشام".
وأضاف الغافلي: أنه رأى عبارة ما زالت في مخيلته لصاحب شاحنة كانت محملة بحجارة كبيرة لمشروع ما، والعبارة مذيلة على باب الشاحنة الخلفي وهي "نقل الحجر ولا نقل البشر"، ولم يعرف حتى الآن ما المقصود منها تحديدا بهذا المصطلح الذي يحتمل أكثر من معنى.
دوافع وحالات
وعلل بعض الشباب الذين تحدثوا إلى "الوطن" اهتمامهم بهذا الأمر "قيامهم بكتابة مثل تلك العبارات على سيارتهم" بجذب انتباه الآخرين، ولفت الأنظار إليهم من قبل من يشاهدونهم مجيئا وذهابا؛ وذاك يكون في لحظة ما، إما انفعالية، وإما في سن ما قبل النضوج العقلي.
ومن بين أولئك الشباب قال خالد صالح: "إن تقلبات الجو تلعب دورا في مزاجه واختيار الكلمات والعبارات، فمثلا في فصل الشتاء يكون المزاج هادئا ومرتاحا أكثر من فصل الصيف، فتأتي المفردات تبعا لدرجة حرارة الجو، والأحداث المصاحبة في الفترة التي يعيشها صاحب السيارة".
ويشاركه الشاب وليد سالم قائلا: إن "لمحلات الزينة دورا في انتشار بعض العبارات، وكذلك الأزمات أيضا، سواء الداخلية أو الدولية أو العقائدية، كما انتشرت عبارة "إلا رسول الله"، وكذلك عبارة "كلنا فداك يا رسول الله" إبان الفترة التي شهدت ظهور الرسوم المسيئة لنبينا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ والقصة معروفة".
جانب إيجابي
من جانبه علّق المختص في علم الاجتماع ناجي الناظري على الظاهرة قائلا: "لم تصل هذه الظاهرة إلى حد تحمل معها المخاوف، بقدر ما تكون إيجابية مثل تناول بعض العبارات التي تتعلق بالجانب الديني كعبارة "الصلاة على محمد" وغيرها، ويستثنى من ذلك ما يكتبه بعض الشباب من عبارات معينة تعبر عن مراهقتهم الوجدانية، فيأتون بما لا يحترم مشاعر عامة الناس، ويطوفون بها الأسواق والشوارع، وغالبية تلك الجمل القصيرة تتحدث عن تجارب وجدانية لم يكتب لها النجاح".
وأضاف الناظري: "يمكن توجيه هذه الفئة عن طريق التوعية والأسرة أولا، خصوصا أن أصحاب هذه السيارات لم يعتمدوا بعد على أنفسهم في تأمين لقمة عيشهم، بل في رعاية ذويهم، وفي الوقت نفسه تبقى تلك العبارات وسيلة تعبر عن ثقافة المجتمع التي تكون فيه أحيانا".
مرحلة عمرية
أما المدير الطبي بمجمع الأمل في الدمام، الاستشاري النفسي الدكتور وليد بن عبدالعزيز الملحم فقال: "الكتابة على السيارات هي طريقة يقوم بها الشباب عادة في فترة المراهقة، وهي فترة عمرية تتميز بالجرأة والاندفاع والتقليد وحب الظهور، والرغبة في التباهي ولفت الأنظار، وكذلك التحدي والتعبير بكل الطرق الممكنة عبر ما يدور في تفكيره، فقد يكتب عبارة تكشف عن مشاعره وأحاسيسه، كالحب والكره والغضب والسعادة والتأييد والتشجيع، ومنها ما يكون له مدلول ومغزى ديني أو سياسي أو رياضي، وبهذا يظهر للآخرين اعتقاده وولاءه وانتماءه لفئة أو تيار معين، وكذلك تستخدم تلك الكتابات لتوصيل رسالة للآخرين يبين فيها شخصيته، وقد يعني في بعض العبارات السائق الذي خلفه، وتتضمن عبارات غير مقبولة في المجتمع، ومنهم من يقوم بكتابة رقم جواله أو بريده الإلكتروني من أجل الغزل، وهناك من يقوم بوضع ملصقات ذات طابع تجاري وذلك للإعلان أو التسويق لسلعة أو خدمة معينة".
أهمية التوعية
ويشير الدكتور الملحم إلى أهمية التوعية كحل لتفادي سلبيات هذه الظاهرة، ويقول: "لكي نحد من سلبيات تلك الظاهرة وانتشارها لا بد من التركيز على الجانب التوعوي في هذا الأمر؛ وذلك من خلال دور الأسرة والمدرسة والصحف والوسائل الإعلامية الأخرى لتساهم جميعها في توعية الشباب بأن السيارة وسيلة نقل فقط، وليست مكانا مناسبا للكتابة أو التعبير عما يدور في النفس، وكذلك منع ذلك التصرف الذي يؤذي الذوق العام من قبل المرور".