في نفس اليوم الذي نشرت فيه صحيفة نيويورك تايمز خبر قيام الجيش الإسرائيلي بتدمير منازل فلسطينيين في وادي الأردن لكشف المنطقة من أجل تعزيز السيطرة الإسرائيلية، تم صد جهود ذلك الجيش نفسه لإخلاء بؤرة استيطانية غير شرعية في نفس الضفة الغربية المحتلة. وكانت هناك تقارير أيضا عن مستوطنين منفلتين في الضفة الغربية وهم يرتكبون أعمال عنف ضد فلسطينيين وعناصر من الجيش الإسرائيلي، وأخبار أخرى عن آلاف الحاخامات المتطرفين يتظاهرون خارج المحكمة العليا في إسرائيل ضد جهود الحكومة لإسكات أحد قادتهم. وكان هذا الحاخام المتطرف قد اعتقل بسبب تأييده لأعمال العنف ضد الفلسطينيين (مؤكدا، على سبيل المثال، أن من المقبول قتل الأطفال الفلسطينيين الأبرياء قبل أن يبلغوا سن الرشد ويشكلوا خطرا حقيقيا على اليهود). هذه الأحداث مع بعضها البعض تبين باختصار سبب فقدان ثقتي بما يسمى "عملية السلام" وجهود صنع السلام الأمريكية الحالية.
في الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل في اضطهاد الفلسطينيين، وفيما يستمر المستوطنون الإسرائيليون في مهاجمة الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، يبدو أن من السخف أن لا يكون لدى الولايات المتحدة ما تقدمه سوى تعويذتهم العرجاء بأن "على الأطراف أن يعودوا إلى طاولة المفاوضات". ومع ذلك يبدو أن ذلك كل ما لديهم لتقديمه في هذه الفترة ـ بنتائج لا تبشر الآن بأكثر مما كانت عليه خلال العقود القليلة الماضية.
الوضع حاليا هو أن المشكلة الفلسطينية ـ الإسرائيلية أكبر وأعمق من أن يتم حلها بالتظاهر أن المفاوضات البسيطة يمكن أن تحل شيئا. ليس أي من الأطراف في وضع ينذر بالتفاوض، والفريق الأمريكي لا يبدو أن لديه تفكيرا إبداعيا يساعد على تغيير الوضع.
السياسة الإسرائيلية انتقلت بقوة إلى اليمين. بوجود نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية (كثير منهم مدججون بالسلاح وملتزمون عقائديا بالبقاء "على أرضهم" بغض النظر عن أي اتفاقية قد توقعها حكومتهم مع الفلسطينيين)، الحكومة الإسرائيلية ليست لديها مصلحة في إيجاد حل عادل للفلسطينيين، لكنني لست مقتنعا أيضا في أنهم يستطيعون أو يرغبون أو يحشدون العزم لإقناع المتشددين الإسرائيليين بقبول حتى تسوية غير عادلة مع الفلسطينيين.
أصبح الإسرائيليون متعودين على أن يفعلوا ما يريدونه مع الفلسطينيين ويعرفون أنه لا يوجد أحد، بما في ذلك راعيتهم وحاميتهم الولايات المتحدة الأمريكية، سيفعل أي شيء لمنعهم من ذلك. من جانبهم، لا يملك الفلسطينيون أي قدرة لمنع الممارسات الإسرائيلية ولذلك فهم ليسوا في وضع يسمح لهم بالتفاوض مع الذين يحتلونهم ويضطهدونهم. القيادة الفلسطينية متفرقة وسياساتهم منقسمة. غزة معزولة تحت الحصر، والضفة الغربية تحت سيطرة إسرائيلية كاملة وأصبحت معتمدة على سخاء المانحين الدوليين.
منذ أسابيع قليلة فقط رأينا بصيص أمل بأن الفلسطينيين مستعدون لاتخاذ خطوات لتغيير وضعهم الراكد. تصالحت الفصائل الفلسطينية الرئيسية وبدت قيادتهم مستعدة بشكل مباشر لتحدي إسرائيل والولايات المتحدة بالمطالبة بتصويت للأمم المتحدة حول الدولة الفلسطينية. ولكن مع معارضة الولايات المتحدة وإسرائيل للوحدة الفلسطينية وعلى تصويت في الأمم المتحدة وضغط البلدين على القيادة الفلسطينية لوقف كلا الأمرين، ومع عجز الفصائل الفلسطينية عن الاتفاق حتى على حكومة مؤقتة، تضاءلت الآمال.
ليست القضية أن التصويت في الأمم المتحدة وحده كاف لتأسيس دولة، أو أن الوحدة الفلسطينية لوحدها قادرة على تحقيق السلام. لا يمتلك أيهما حلا سحريا. شفاء النظام السياسي الفلسطيني هو ببساطة ضرورة لكي يمكن رؤية السلطة الفلسطينية على أنها تمثل كامل الشعب الفلسطيني. ومن ناحية أخرى فإن الضغط من أجل تصويت في الأمم المتحدة ضروري ليدعم الفلسطينيون موقفهم في مواجهة الإسرائيليين بقوة المجتمع الدولي (بنفس الطريقة التي يدعم فيها الإسرائيليون موقفهم بأصوات في الكونجرس الأمريكي).
ما جعل كلا من هاتين المبادرتين الفلسطينيتين مرغوبتين أكثر من الجهود الأمريكية العرجاء لإعادة بدء المفاوضات هو أن الخطوات الفلسطينية كانت محاولات للعب بالمعادلة، بينما أن مجرد إعادة بدء المفاوضات لا يقدم أي شيء سوى جمع الأطراف مع بعضها البعض، كما هي عليه، للحديث عن وضع لا يريد فيه الإسرائيليون بشكل فعلي التغيير والفلسطينيون عاجزون عن التغيير.
إذا كان للسلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني أن يتحقق، يجب تغيير الديناميكية الحالية في المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني وفي العلاقات الإسرائيلية ـ الفلسطينية. ذلك سيتطلب تفكيرا استراتيجيا واستعدادا لتحريك الأشياء، خاصة في إسرائيل. الإحساس الإسرائيلي بحقهم في القيام ببعض الأمور وقدرتهم على العمل بحصانة يجب أن ينتهي. ويجب أن يشعر الفلسطينيون بأنهم يتمتعون بالتأييد وأنهم يمتلكون القوة والمسؤولية لتقرير مصيرهم.
الوحدة الفلسطينية، الزخم السياسي الذي سيأتي من تصويت قوي في الأمم المتحدة وتوسيع رقعة المقاومة الشعبية غير المسلحة في المناطق المحتلة قد تساعد في تحقيق الهدف. سيعطي ذلك الفلسطينيين مساعدة يحتاجون إليها كثيرا وستجبر الإسرائيليين على مناقشة سياساتهم وإعادة التفكير فيها وفي الثمن الذي سيتوجب عليهم دفعه بسبب سلوكهم. ومن ناحية أخرى، الإصغاء إلى الولايات المتحدة والتراجع عن المصالحة الفلسطينية والتخلي عن التصويت في الأمم المتحدة (بنفس الطريقة التي استمعت فيها السلطة الفلسطينية إلى الولايات المتحدة وتخلت عن تقرير حقوق الإنسان حول حرب غزة) سيكون مدمرا للقيادة الفلسطينية، وسيؤدي إلى تقوية المتشددين الإسرائيليين أكثر، وسيجعل السلام في النهاية أكثر بعدا مما هو عليه الآن.